أما اتباع الرجال فورد فيه حديث أبي هريرة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) .
يقول بعضهم: الإسراع هو سرعة السير، فقوله:(أسرعوا بها) يعني: أسرعوا السير، فإذا حملتموها على رقابكم فسيروا سيراً حثيثاً وسيراً سريعاً.
وروي أن بعض الصحابة أو بعض المسلمين حملوا جنازة وصاروا يخبون بها خباً، أي: يسرعون بها السير، فهذا محتمل أن يكون المراد به السرعة بها، ثم قال:(إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه) أي: تعجلونها إلى الخير الذي أعد لها في القبر، وإن تك سوى ذلك -غير صالحة- فشر تضعونه عن رقابكم، قد حملتموه على أكتافكم فتضعون عن رقابكم هذا الشر.
والاحتمال الثاني -ولعله أوجه- أن المراد بالسرعة هنا سرعة التجهيز، أي: أسرعوا بتجهيز الجنائز فإذا مات الإنسان فأسرعوا بتجهيزه ولا تؤخروه، ولا تتباطئوا في تجهيزه وتحبسوه مدة طويلة، بل بادروا بعد موته وواروه ولا تؤخروه، فإنه إذا كان صالحاً قدمتموه إلى جزائه الذي ينتظره في المعاد، وإذا كان غير صالح ارتحتم من الحمل الذي تحملتموه، وهو الاهتمام بتجهيزه.
ومعلوم أن قوله:(فشر تضعونه عن رقابكم) هو أنه إنما يحمله بعضهم، فقد يشيعه -مثلاً- مائة ولا يحمله إلا أربعة -مثلاً- أو عشرة، فعرف أن قوله:(تضعونه عن رقابكم) يعني: تضعون همه، وتضعون شغله، وتضعون العمل الذي تعملونه، يعني: كأنكم حملتم على أكتافكم شيئاً من الهم ومن الأعمال، فإذا جهزتموه وواريتموه فقد وضعتم ذلك الذي حملتموه وقد انتهيتم منه، فهذا هو الأقرب، أن المراد السرعة في تجهيزه.
وقد ورد في الإسراع حديث آخر، يقول صلى الله عليه وسلم:(لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) أي: بعد موته يصبح جيفة ليس فيه حركة وليس فيه روح، فلا ينبغي أن تحبس هذه الجثة بين أهله، بل يسارع في مواراته، فيسرع أهله في تجهيزه تغسيلاً وتكفيناً وصلاة عليه ودفناً، حتى لا يحبس عمَّا هو معد له.
فهذا هو الأرجح، ومع ذلك نقول: لا بأس بالسرعة إذا لم يكن فيها مشقة إذا حملوه، وكان الأصل أن الميت يحمل على الرقاب، فيحملونه على رقابهم إلى أن يضعوه عند شفير قبره، لكن في هذه الأزمنة لبعد المسافة استثقلوا ذلك وصاروا يحملونه على السيارات، ولا بأس بذلك، والسيارة معلوم أن سيرها محدود، لا يتمكن من الإسراع بها إسراعاً زائداً عن القدر المحدد، ومع ذلك إذا كان الطريق -مثلاً- خالياً فلا يتباطأ بالسير تباطؤاً تطول مدته، بل يسير السير المعتاد.
وهذا عند الحاجة، أعني الحمل على السيارة عند الحاجة لبعد المكان ونحوه، فأما إذا لم يكن هناك بعد ولم يكن هناك مشقة فالحمل على الأكتاف هو الأصل.