للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الأذان الأول للفجر]

الحديث الأول يتعلق بأذان آخر الليل، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) أو (حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم) ، ظاهر هذا الحديث أن كلاً منهما يؤذن في وقت حدد له، فأمروا بأن يأكلوا ويشربوا ولا يردهم ذلك عن سحورهم حتى يسمعوا أذان ابن أم مكتوم الذي يؤذن عند الصباح.

استدل بهذا الحديث كثير من العلماء وقالوا: إنه دليل على جواز الأذان للصبح في آخر الليل؛ لأن أذان بلال لصلاة الصبح، لكن يظهر أن الأذان ليس لصلاة الصبح وإنما هو لتنبيه من يريد السحور حتى ينتبه للوقت الذي يتسحر فيه، ويتناول فيه طعامه، ويدل على ذلك أن في حديث آخر قوله عليه الصلاة والسلام: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم) ، وفي حديث آخر: (لا يغركم أذان بلال من سحوركم، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) ، وبتأمل هذه الروايات يظهر أن الأذانين في رمضان، إذ كان في رمضان أذن ابن أم مكتوم وقت الصبح وقبله أذان بلال لوقت السحور، هذا هو المتبادر، مع أن أكثر الشراح لم يتعرضوا لذلك، ولا أذكر أن أحداً ممن شرح الحديث نبّه على أن هذا في رمضان، ولكن سياق الروايات والأحاديث دليل على أنه في رمضان، فلم يذكر أنه في غير رمضان كان يؤذن مؤذنان للفجر، ففي قوله: (كلوا واشربوا) دليل على أنهم كلهم يصومون، وأما في غير رمضان فلا يصوم إلا أفراد منهم، وهنا أمرهم بقوله: (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) ، وفي الرواية الأخرى قال: (لا يغرنكم أذان بلال من سحوركم أي: لا يردكم أذان بلال من سحوركم، فهو يخاطبهم كلهم، ومعلوم أنهم لا يتسحرون كلهم للصوم إلا في رمضان، أما في غيره فإنما يتسحر أفراد منهم لا كلهم، وهذا يُرجح أنهم كانوا يخصون رمضان بمؤذنين في آخر الليل، وقد بينت ذلك الرواية الأخرى وهي قوله: (إن بلالاً يؤذن بليل) لماذا؟ (ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم) أي: يستيقظ نائمكم للتسحر حينما يعلم أن وقت التسحر قد دخل، وينتبه قائمكم الذي يصلي ينتبه إذا سمع أذان بلال وعلم أن وقت السحور قد قرب، فيصلي الوتر وينهي صلاته ويشتغل بسحوره.

(لا يغرنكم أذان بلال من سحوركم) أي: إذا قررتم السحور وسمعتم الأذان فلا تتوقفوا عن الأكل (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) .

وقوله: (إنه يؤذن بليل) دليل على أنه يؤذن وقد بقي من الليل جزء إما ساعة وإما ساعتان وإما ساعة ونصف قبل طلوع الصبح.

وفي بعض الروايات ليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، وهذه الرواية أشكلت، إذ كيف لم يكن بين أذانهما إلا نزول هذا وصعود هذا؟ لو كان كذلك لما كان بينهما إلا دقائق، لكن لعل الجواب أنه إذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم ووقف على المئذنة وبقي إلى أن يطلع الصبح، وربما يبقى أكثر من ساعة، وكان رجلاً أعمى لا يبصر الصبح وإنما ينتظر أن يقول له الناس: أصبحت أصبحت، وفي بعض الروايات أنهم كانوا يقولون له: لا تصعد لا تصعد، يعني: حتى نفرغ من سحورنا، فهذا دليل على أنه لا يؤذن إلا بعدما يتبين الصبح، وبعدما ينظره من ليس صاعداً على سطح أو مئذنة، فينظره الذين على وجه الأرض فيقولون له: أصبحت أصبحت فيؤذن.

فاستدل بهذا على استحباب أو تأكد الأذانين في رمضان، فيكون هناك مؤذنان: مؤذن آخر الليل للتسحر، ومؤذن وقت الصبح لصلاة الفجر، وإذا أذن واحد غاير بينهما، فجعل أذانه الأول مثلاً سريعاً، ومد في الأذان الذي يكون عند طلوع الفجر؛ حتى يُعرف أن هذا أذان الفجر وهذا أذان السحور، فيُعرف بذلك أن الوقت وقت تسحر أو وقت صلاة؛ وذلك لأنه ليس كل أحد يسمع الأذانين، ويفرق بينهما، ويميز بينهما، ومن ذلك أن يقول في أذان الصبح: (الصلاة خير من النوم) وهذا هو الصحيح.