الحديث الذي بعده فيه النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، أو حتى تزهو، والمراد بالثمار: الثمرة التي تؤكل بعدما تثمر، كالرطب والعنب والتين والرمان وسائر الثمار التي تؤخذ من أشجارها، فهذه الثمار لا شك أنها مقصودة، فإن الذين يغرسون الأشجار يقصدون من غرسها أن تثمر، فإذا أثمرت انتفعوا بثمرها، فإما أن يبيعوه وإما أن يأكلوه وهو رطب، وإما أن يتركوه إلى أن يجف، ثم يأخذونه وهو تمر أو زبيب أو نحو ذلك، وينتفعون به، فالثمرة هي المقصودة.
وكانوا كثيراً ما يحتاج أحدهم إلى نقود قبل أن تثمر ثمرته، فيأتي إليه أحد التجار فيقول: بعتك ثمرة هذه النخلة -أو ثمرة هذا العنب- والتمر لا يزال بسراً، فإذا باعه وهو بسر، وجاء وقت النضوج، إذا هو قد أصابه مرض من بياض أو نشاف أو غير ذلك من عاهات تصيب الثمر، فعند ذلك يكون المشتري قد اشترى شيئاً لا يناسبه ولا يصلح له، فيقول: هذه لا تصلح، فأعطني غيرها، أعطني ثمر النخلة الثانية أو الثالثة؛ فيتشاجرون عند ذلك أو يختلفون، فإذا رأى هذه الثمرة قد تحات ثمرها قال: ما بعتني هذه، إنما بعتني الأخرى، فيحصل بعد ذلك اختلاف فيما بينهم، ويكثر ترافعهم؛ لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع الذي هو البيع قبل أن يبدو الصلاح، فإذا بدا الصلاح، فالأصل أو العادة أن العاهات التي تصيبها قليلة، فحيئنذٍ يجوز البيع، ثم فسر بدو الصلاح في النخل بأن تحمر أو تصفر.
ومعلوم أن النخل أول ما يخرج من أكمامه يكون لونه أخضر، وعندما يقرب من النضج ينقلب بعضه إلى أحمر -وهو الذي يكون رطبه أسود-، وإلى أصفر وهو الذي يكون رطبه أحمر.
فبدو الصلاح أن يتغير لونه من الخضرة بأن يكون أحمر أو أصفر، فإذا وصل إلى هذه الألوان جاز بيعه والحال هذه لقلة الآفات التي تعتريه في هذه الحال.
هذا هو الأصل، فالصحيح أنه يجوز بيعه إذا وصل إلى هذه الحال.
أما بالنسبة للعنب فيجوز بيعه إذا بدا صلاحه، وبدو صلاحه أن بعضه يسود، فإذا انقلب إلى أسود أو إلى أحمر فذلك بدو صلاحه، والذي يبقى على لون الخضرة فإذا تموه حلواًً -أي: إذا انقلب ماؤه بعدما كان حامضاً إلى كونه حلواً- ففي هذه الحال يجوز بيعه.
وبقية الثمار كثمر التوت، والرمان، والبرتقال، والليمون، وسائر الثمار، لا يجوز بيع الثمرة وحدها إلا بعدما يبدو صلاحها، أي: حتى ينتفع بها فيصلح قطعها والانتفاع بها، فأما إذا كان قطعها قبل بدو ثمارها فلا يجوز بيعها والحال هذه.