في الحديث: أن الذي يمر بين يدي المصلي عليه إثم، وهذا الإثم لم يصرح به، ولكنه دل عليه بكونه لو وقف هذه المدة لكان خيراً له من المرور بين يدي المصلي.
لم يحفظ الراوي تحديد المدة إلا أنها أربعون، يقول:(لو يعلم ما عليه من الإثم) ، يعني: ما عليه من الوزر وما عليه من الذنب، (لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) لم يقل: أربعين سنة أو أربعين شهراً أو أربعين يوماً، قد تكون واحدة منها، كيف لو وقف أربعين يوماً ماذا تكون حالته؟! كأنه يقول: لو علم أنه يأثم هذا الإثم الكبير لآثر أن يقف في مكانه أربعين يوماً؛ ينتظر فراغ هذا المصلي، بل لو وقف أربعين ساعة لتحسر من ذلك! ليته يقف ولو أربعين دقيقة ليته يقف ولو عشر دقائق حتى يفرغ هذا المصلي، ليته يقف ولو أقل من ذلك بقدر ما يفرغ المصلي من صلاته، وبكل حال فعلى الداعية أن يخبر من يريد المرور بين يدي المصلي أن عليه إثماً وأن وقوفه أفضل له، قل له: قف بضع دقائق حتى يفرغ أخوك من صلاته، وذلك لا يفوت عليك شيئاً ولا تمر بينه وبين سترته، ولا تمر بين يديه فتشغل قلبه، وتقطع عليه تفكيره، وتقطع عليه إقباله على ربه، دعه يكمل صلاته وانتظر قليلاً، فإما أن تصلي كما يصلي حتى تفرغ مع فراغه، وإما أن تنتظر حتى ينتهي من صلاته، هؤلاء الذين يتخللون الصفوف كثيراً ويمرون بين يدي المصلي، ساعة ما ينصرف أحدهم من صلاته، أو ساعة ما يفرغ من راتبته، يتسلل أمام من يتم صلاته كمسبوق، أو من قد شرع في النافلة، فيمر بينه وبين موضع سجوده، وبينه وبين موضع سترته، فيلحقه هذا الإثم الكبير الذي ذكر في هذه الأحاديث، ولو علم مبلغ هذا الإثم وعلم مقداره لآثر الوقوف، ولفضل أن يقف أربعين يوماً أو شهراً أو سنة، ولكنه لم يتصور.
فالحاصل أن عليه إثماً كبيراً؛ ولذلك يكون هذا المرور كبيرة من كبائر الذنوب التي يعاقب عليها، ولا تكفر مع الصغائر، قال الله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء:٣١] ، وقد ذكر العلماء تعريف الكبيرة فقالوا: الكبيرة ما ورد فيها وعيد، وهذا الفعل قد ورد فيه وعيد، والوعيد إما أن يكون وعيداً بلعنة، أو وعيداً بغضب، أو وعيداً بعذاب، أو وعيداً بنفي إيمان، أو وعيداً بإثم، أو ما أشبه ذلك، فهذا ورد فيه هذا الوعيد الذي هو إثم، فيكون بذلك من كبائر الذنوب.