في حديث سعد هذا الوصية بالمال، وقد أمره أن يقتصر على الثلث، فذكر سعد رضي الله عنه أنه مرض مرضاً شديداً في حجة الوداع في سنة عشر، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في ذلك الوقت ليس له أولاد إلا بنت واحده وعنده أموال، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه خاف من الموت، وقال: إن المرض قد بلغ بي ما ترى، فأخبر بأن المرض قد اشتد به، وأنه يخشى أن يفجأه الموت، وأنه له أموال كثيرة، وليس له ورثة إلا زوجته وبنته فيكفيهم بعض ماله، وأراد أن يتصدق بالثلثين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك، ثم انتقل إلى النصف، فأراد أن يتصدق بنصف المال، ويترك للورثة النصف، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه أيضاً، فانتقل إلى الثلث، فرخص له في الثلث، ولكن قال له:(الثلث والثلث كثير) .
وابن عباس رضي الله عنه يقول:(لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع) أي: اقتصروا على الربع فإنه فيه الكفاية، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن الثلث كثير، فالربع يكون وسطاً، ليس بقليل ولا كثير، وقد نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال:(أختار لنفسي ما اختاره الله، إن الله تعالى اختار الخمس أو رضي لنفسه الخمس في قوله تعالى:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:٤١] ) فأوصى بالخمس، وهكذا غيره من الصحابة أوصوا الخمس من أموالهم ليكون صدقة من بعدهم؛ لأجل ذلك يقول العلماء: إن النهاية هو الثلث، فلا يزيد الموصي على الثلث إلا برضا الورثة، إلا إذا لم يكن ورثة فإن له أن يتصدق بجميع ماله؛ لأنه ما منع إلا لأجل الورثة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص:(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) يقول: إنك إذا خلفت مالاً أغنيت ورثتك، وتركت لهم ما يتمتعون به، وما يأكلون منه وينتفعون به، وهذا أفضل لك إذا كانوا أغنياء، فينتفعون ويدعون لك بالرحمة وبالجنة، وتقر أعينهم ويرضون عنك، بخلاف ما إذا تصدقت بأموالك كلها، وتركتهم فقراء يسألون الناس، فإنهم سيمدون أكفهم، هذا معنى قوله:(عالة يتكففون الناس) أي: يسألونهم بأكفهم.