أذان بلال خمس عشرة جملة، أربع تكبيرات، وأربع تشهدات، وأربع حيعلات، هذه اثنتا عشرة كلمة، ومعها تكبيرتان تصير أربع عشرة، وتهليلة، فهذه خمس عشرة، هذا هو أذان بلال الذي استمر عليه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن روي عن أبي محذورة أنه كان يُكرر الشهادتين، ويسمي ذلك ترجيعاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان بالترجيع، فكان أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، حيث إنه يأتي بالشهادتين مرتين مرتين، ثم يعيدها مرتين مرتين، فتكون الشهادتان ثمان مرات، فيصل العدد إلى تسع عشرة جملة، هذا أذان أبي محذورة، وكان يؤذن في الحرم المكي في أيام الموسم، وعنه أخذ أكثر الوافدين من المدن البعيدة فنقلوه إلى تلك البلادة البعيدة كالهند والسند وما وراء النهر وبلاد تركيا وما أشبهها، فكانوا يؤذنون بأذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، ولكنه كان يخفض الشهادتين للمرة الأولى، ويرفعهما للمرة الثانية.
ونحن نقول: لا بأس بذلك، ولكن أذان بلال الذي ليس فيه ترجيع أصح، فإنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالترجيع، وبه حصل الأمر في هذا الحديث، أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والإقامة عند أبي محذورة كان يكررها ولا يوترها، ولا يعمل بهذا الحديث الذي هو حديث أنس، فيكبر في الإقامة أربعاً، ويتشهد أربعاً، ويحيعل أربعاً، فهذه اثنتا عشرة كلمة، ويأتي بقد قامت الصلاة مرتين، فهذه أربع عشرة، ثم بتكبيرتين هذه ست عشرة، وبتهليلة فهذه سبع عشرة كلمة، وإلى هذا ذهبت الحنفية، فكان أذانهم تسع عشرة كلمة، فإقامتهم سبع عشرة كلمة، إقامتهم مثل أذاننا إلا أنهم يضيفون إليها (قد قامت الصلاة) مرتين، فيصير العدد سبع عشرة كلمة في الإقامة، وتسع عشرة في الأذان.
ونحن نقول: ما دام أنهم معتمدون على دليل فلهم دليلهم، ولكن دليلنا أرجح؛ وذلك لأنه الذي كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وفي حضره، فهو أقوى دليلاً.