الحديث الثاني يتعلق بإجابة المؤذن، فالمؤذن يأتي بهذه الكلمات التي هي ذكر، فإذا أتى بها فنحن السامعون ننتبه إلى ما يقوله من الذكر، فنتكلم بمثل ما تكلم به، ونقول مثلما يقول؛ حتى يحصل لنا ثواب الذكر، روي أن رجلاً قال:(يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا -يعني: يكونون أفضل منا- فقال: قولوا مثلما يقول) يعني: إذا كان المؤذن قد فضلكم بهذا الذكر فتابعوه حتى تشاركوه في هذا الذكر، إذا ذكر الله فاذكروا الله، ولا شك أن أذكار الأذان من جملة القربات، فالسامع يُجيب المؤذن، أي: يتابعه ويقول مثلما يقول حتى يحصل له أجر الذكر، وأجر هذه المتابعة.
فالتكبيرات الأربع الأول يتابعه بها تكبيرة تكبيرة، والتكبير تعظيم لله سبحانه، فإذا قال: الله أكبر، فمعناه: أعتقد وأجزم بأن الله أكبر من كل شيء، وإذا اعتقد أن الله هو الكبير المتعال صغرت عنده الدنيا، وصغُر عنده الخلق كلهم، وصغرت عنده نفسه، واستحضر عظمة ربه في قلبه، فيكون هذا ذكراً وأي ذكر! وكيفية المتابعة أن يتبع كل كلمة بمثلها إلا في الحيعلتين فيجعل بدلها الحوقلة، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب الذي رواه مسلم، يقول فيه صلى الله عليه وسلم:(إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال أحدكم: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال أحدكم: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: حي على الصلاة، فقال أحدكم: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: حي على الفلاح، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة) يعني: إذا قال ذلك من قلبه معتقداً للشهادتين معتقداً لمعنى الحوقلة معتقداً للتكبير الأول والأخير مستحضراً لمدلول ذلك متقرباً إلى ربه بما تضمنته هذه الكلمات؛ دخل الجنة.
ولا شك أنه سيحصل له تأثير في قلبه فإن الشهادة تجديد للعقيدة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فمعناه: أعتقد وأقر وأعترف بأن الإلهية الحقة إنما هي لله وحده، وسيحمله ذلك على أن يعبد ربه، وأن تعرض جوارحه عن الخضوع لغير ربه تعالى.
وكذلك إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، اعترف برسالته، وحمله ذلك على اتباعه وطاعته، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فكأنه يستحضر بأنه ليس له استطاعة على الحضور إلا إذا قواه ربه وأعانه، فكأنه يقول: لا أستطيع أن أتقرب ولا أستطيع أن أذهب إلا إذا أعطيتني قوة -يا ربي- وإعانة على الحضور أو على الذهاب، فأنت الذي تمنح القوة وتمنح القدرة، أنا العبد الضعيف المستغفر الذي ليس لي حول ولا قوة، أي: لا تحول لي من حال إلى حال، ولا قدرة لي ولا استطاعة إلا إذا أعنتني بذلك، هذا معنى الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، وهي تقال بدل الحيعلة.