في هذا الحديث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحكم بما يظهر له، وأن بعض الخصمين قد يكون كاذباً، ويعلم كذب نفسه، ويعلم أنه طلب ما ليس له، وأنه اعتدى على حق غيره، إما أنه جحد حقاً عليه لخصمه، وإما أنه عرف تعديه على ملك غيره، وأخذه ما لا يستحقه، وأخذه من ملك لا حق له فيه، أو نحو ذلك، فلا شك أنه إذا عرف ذلك، ثم تقدم إلى القاضي وأراد أن يأخذ بقدر ما يدعيه، فإنه ظالم سواء أتى بشهود زور كذبوا في شهادتهم أو حلف يميناً فاجرة يعرف فجوره فيها، أو أكثر من القول ومن التظلم ومن إظهار الصدق وأنه صادق وأن الصواب معه؛ حتى يوهم من يسمعه أنه مظلوم، وأنه صادق في قوله، فيحكم له القاضي بمجرد قوله، وهو في الحقيقة ظالم وليس بمظلوم، وهو يعلم من نفسه ذلك؛ فلا يحل له ما أخذ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو ليدعها) .
هكذا وعظ هذين الخصمين، وأخبر بأنك -أيها الخصم الذي تعرف ظلمك وتعرف عدوانك- إذا كنت عارفاً بأن هذا لا يحل لك، وكنت تعرف أنك معتدٍ بحجتك، معتدٍ في قضيتك، وأن أخاك وخصمك مظلوم معتدى عليه وعلى حقه، فكيف مع ذلك تقدم على هذا؟ إن هذا الذي أخذته ولو استمتعت به في الدنيا؛ فإنه سيكون وبالاً عليك، وستعذب به عذاباً وبيلاً، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من اقتطع مال أخيه بيمين هو فيها كاذب لقي الله وهو عليه غضبان، قيل: يا رسول الله! وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك) يعني: عود سواك قدر ما يقبضه القابض، ما قيمة هذا العود السواك؟! إذا حلف أنه له وهو ليس له لقي الله وهو عليه غضبان، والله تعالى إذا غضب على عبده فلا يقوم لغضبه شيء.