وفي الحديث الثاني حديث أبي قلابة ذكر أن مالك بن الحويرث جاءهم في مسجدهم وصلى بهم ولم يكن قصده أن يصلي في ذلك الوقت، ولكن قصده أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته التي تلقاها عنه صلى الله عليه وسلم.
وكان مالك بن الحويرث ممن تأخر إسلامه، وقد وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة، أي: في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وكان من أهل البحرين أي: من أهل الشرق في ذلك الوقت، وكانوا يأتون من أماكن بعيدة، ويبذلون جهداً كبيراً، ويقطعون مسافة طويلة في زمن طويل.
يقول مالك بن الحويرث:(إننا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأقمنا عنده عشرين يوماً، فلما رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، قال: لو رجعتم إلى أهليكم وعلمتموهم ما تعلمتم، وقال لهم: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) ، وأمرهم بقوله:(صلوا كما رأيتموني أصلي) .
فأخبرهم بأن عليهم أن يقتدوا به في هذه الصلاة التي تلقوها بالفعل، وكذلك تعلموا بقية الأحكام بالقول، فأمرهم بهذه الحال بأن يقتدوا به.
فجاء ابن الحويرث إلى مسجد أبي قلابة وبين لهم الصلاة فصلى بهم، ثم إن الذين رووا عن أبي قلابة سألوه: عن كيفية صلاة مالك بن الحويرث؟ فأخبرهم بأنه يصلي بهم كما يصلي بهم شيخهم في ذلك الوقت، والشيخ يراد به الطاعن في السن، هذا هو الشيخ في اللغة، وليس المراد به العالم، فأطلق عليه شيخاً لكونه كبير السن.
وأبو بريد عمرو بن سلمة هذا هو أبو بريد عمرو بن سلمة الجرمي، وكان قد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يره ولم تثبت صحبته لكونه صغيراً.
ذكر أنه كان في صغره يتلقى الركبان ويتعلم منهم القرآن الذي تعلموه فحفظ قرآناً أكثر من غيره، فلما جاء وفدهم من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا:(إنه يقول: يؤمكم أقرؤكم أو أكثركم قرآناً) لم يجدوا أكثر من أبو بريد عمرو بن سلمة، فقدموه إماماً لهم مع صغر سنه، وقد ذكر في بعض الروايات أنه كان صغير السن ولكنه كان أكثرهم قرآناً فقدموه، ثم ذكر أنه ما صحب قوماً بعدهم إلا صار إماماً لهم، فكل من صحبوه قدموه ورضوا بإمامته.
فكان يصلي في المسجد الذي فيه أبو قلابة، وأبو قلابة تلميذ لـ أنس وتلميذ للصحابة، وهو من الأجلاء التابعين.