[المانع الثالث: اختلاف الدين]
من المعلوم أن من موانع الإرث: اختلاف الدين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة سنة ثمان قال له أسامة بن زيد: (أين تنزل غداً في مكة؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع، ثم قال: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) .
بيان ذلك أن عقيل بن أبي طالب وهو أخو علي بن أبي طالب لما مات أبو طالب لم يرثه إلا عقيل، ولم يرث منه علي ولم يرث منه جعفر؛ لأنهما مسلمان، وعقيل باق على كفره فهو الذي ورث أباه أبا طالب.
قول أسامة: (أين تنزل غداً؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع) الرباع: البيوت والرحبات التي حولها، والأماكن التي كان يملكها أبو طالب، فورثها بعده عقيل بن أبي طالب واستبد بها، وأسلم وهي له ولم يرث غيره أحد من إخوته.
فدل هذا على أن الكافر لا يرث المسلم ولا المسلم يرث الكافر، فإذا مات ميت كافر فإن ميراثه لقرابته الكفار، فإذا لم يكن له قرابة من الكفار فميراثه لبيت المال ويعتبر فيئاً، وكذلك لو مات رجل مسلم وأقاربه كلهم كفار فماله لبيت المال، لا يعطى أقاربه الذي ليسوا على دينه من ماله شيئاً؛ وذلك لأن الإسلام فرق بين المسلم والكافر، وجعل كلاً منهما بعيد الصلة عن الآخر، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] فجعل الولاية للمؤمن على المؤمن، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣] أي: لا توالوا الكفار بل اجعلوا ولايتهم فيما بينهم، لا تجعلوا ولاية لكم عليهم؛ لأنه لا ولاية ولا قرابة بين مسلم وكافر، فمن آثار قطع الولاية أنهم لا يتوارثون حتى ولو كانوا مجتمعين في بيت واحد أو في بلد واحد.
والكفر هنا هو كل عمل يخرج صاحبه من الإسلام، ولو لم يكن على ملة، فالنصراني الذي أبواه مسلمان لا يرث منهما؛ وذلك لاختلاف الدين، وكذلك لو كان بوذياً وأبواه مسلمان؛ فإنه لا يرثه أبواه ولا يرث هو من أبويه.
وهكذا الديانات أو العقائد الفاسدة مثل: النصيرية الموجودة في سوريا وغيرها، لا شك أنهم كفار فلا يتوارثون مع المسلمين ولو كانوا أقارب لهم.
والقاديانية: وهم يوجدون بكثرة في الهند وفي باكستان ونحوها، لا شك أنهم كفار، فلا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين.
الدروز: وهم يوجدون في لبنان وسوريا، لا شك أنهم كفار، فلا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين.
وكذلك الباطنية: والباطنية يقول فيهم العلماء: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، فلا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين.
وإذا حكمنا بكفر أهل ملة فإننا نقطع الصلة بينهم وبين أقاربهم، فإذا حكمنا مثلاً بكفر تارك الصلاة المصر على تركها المعاند فيها، الذي لا يصلي أصلاً لا وحده ولا مع جماعة قلنا: لا يرثه أقاربه ولا يرث من أقاربه بل يكون ماله لبيت المال، وإن كنا نحكم بأنه إذا كان كذلك يصير مرتداً، والمرتد لا يقر على ردته، بل يستتاب فإن رجع وإلا قتل.
وكذلك العقائد السيئة التي يكفر بها، وقد ذكر العلماء من العقائد التي يكفر بها: عقيدة الجهمية الذين يبالغون في تحريف القرآن في باب الصفات، وكذلك الذين يقولون بالجبر والإرجاء ونحوها، هؤلاء كثير من العلماء يكفرونهم ويخرجوهم من الإسلام، وعلى هذا فلا يتوارثون مع المسلمين.
وكذلك أيضاً غلاة الرافضة لا شك أنهم كفار، الذين يطعنون في القرآن، أو يطعنون في أجلاء الصحابة الذين نقلوا لنا الدين ويكفرونهم، أو كذلك الذين يشركون ويدعون غير الله تعالى في الشدائد والملمات ونحوها يكفرون، وعلى هذا فلا يتوارثون مع أقاربهم من المسلمين.
فعرفنا بذلك أن الإسلام حث أهله على أن يوالوا كل مسلم ولو كان بعيداً في النسب، ويقاطعوا كل كافر ولو كان قريباً في النسب.