[عموم النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة في الأبنية وغيرها]
وهذا الحديث عام في جميع الحالات، وقد عمل به الصحابة، فهذا أبو أيوب راوي الحديث يقول:(فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل) ، لما فتحت الشام في عهد عمر دخلها المسلمون واستوطنوها، وصارت أماكن التخلي في داخل البيوت بخلاف أهل المدينة، فإن أهل المدينة كانوا في قرية وكانوا يقضون حوائجهم في البقيع، فيذهب أحدهم إلى خارج البلد ويقضي حاجته في الصحراء، ولكن لما توسعت المدن احتاجوا إلى أن يجعلوا بيوت الخلاء في داخل الدور، لبعد الصحراء التي كانوا يتخلون فيها، كما في هذه البلاد وغيرها، حيث أصبحت أماكن التخلي في داخل البيوت، وهي التي تسمى بالحمامات، وقديماً كانت تسمى صهاريج أو نحو ذلك، وتسمى أيضاً مراحيض ودورات مياه أو بيوت خلاء أو كُنُف، وهي: جمع كنيف، وهي الأماكن المعدة لقضاء الحاجة.
فنهوا أن يستقبلوا القبلة أو يستدبروها ببول أو بغائط، فيقول أبو أيوب: لما قدمنا الشام وجدنا المراحيض، أي المقاعد وجدناها مهيأة ومركبة باتجاه القبلة، فلم نتجرأ أن نجلس فيها، فصار أحدنا إذا جلس انحرف عن يمينه أو عن يساره واستغفر الله عما يقع فيه من الخطأ ونحو ذلك، وذلك دليل على أنهم عمموا الحكم واعتقدوا أن المنع عام في داخل البيوت كالحمامات، وفي خارجها كالصحاري ونحوها، فالحكم فيها على عمومه ليس له مخصص، هذا هو الذي فهمه هذا الصحابي رضي الله عنه.
وقد أباح بعض العلماء استقبال القبلة أو استدبارها إذا كان في داخل المباني أو نحوها، واستدلوا بحديث ابن عمر الذي ذكر بعد هذا الحديث، ولكن الصحيح أن الحكم عام، وهو الذي رجحه الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم في (المحلى) والأئمة الثقات المعلومون المشهورون، وقد اعتذروا عن الأحاديث التي فيها شيء من الرخصة بأنها محمولة على وجود عذر، أو لأنها من الخصائص أو نحو ذلك، فعلى الإنسان أن ينتبه إذا دخل الخلاء، فمتى كان موجهاً للقبلة فإن عليه أن ينحرف ويميل عنها قليلاً حتى لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، وكذلك أيضاً يُنتبه عند تأسيس الدورات ألا تكون مستقبلة القبلة حتى لا يعتقد من يدخلها أن ذلك جائز؛ لأن الأحاديث عامة، كما فهم ذلك أبو أيوب من هذا الحديث، وكما هو ظاهر في عمومات النصوص التي فيها النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط، وكذلك حديث سلمان:(نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط وأن نستدبرها) .
وهذا لأجل احترام جهة القبلة التي هي جهة المصلي؛ لأنها أشرف الجهات وأفضلها، هذا هو الاحتياط في هذا الباب، وإن كان قد رخص أكثر العلماء في استقبال القبلة واستدبارها إذا كانت المراحيض في داخل البناء، ولكن الأحوط والأرجح هو العمل بالعموم.