يكثر في هذه الأزمنة ما نسمعه من قصص الانتحار حيث يقتل أحدهم نفسه لأدنى سبب، إذا جاءه خبر يحزنه أو نحو ذلك قتل نفسه، أو إذا وقع به هم أو غم أو مضايقة أو نحو ذلك قتل نفسه بأي حيلة يقدر عليها، فمنهم من يطعن نفسه بحديدة، ويقطع بها مجاري الدم في حلقه إلى أن يموت، ومنهم من يقتل نفسه برصاص أو نحوه، ومنهم من يحرق نفسه، ومنهم من يسقط من عمارة على أم رأسه إلى أن يموت، لأدني شيء يؤلمه أو يحزنه أو نحو ذلك، لماذا هذا؟! يقولون عنه: إنه لا يتحمل الصبر على هذا الحزن أو على هذا الألم أو ما أشبه ذلك!! والواجب على الإنسان أن يصبر على ما يصيبه من أذىً أو على ما يصيبه من ألم أو نحو ذلك، وما ذاك إلا لأن الله تعالى يبتلي العباد في هذه الدنيا بأنواع من البلايا ابتلاءً واختباراً لهم، فمنهم من يُبتلى بالجوع والضيق والجُهد، ومنهم من يبتلى بالأمراض والعاهات في بدنه، ومنهم من يُسلط عليه بنو جنسه، ومنهم من يبتلى بالسجن والضرب والمضايقات ونحوها.
فالواجب على الإنسان أن يصبر على ذلك، وأن يتحمل، وأن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، ولو عُذِّب ولو أوذي ولا يقول: إنني لا أتحمل، أريد أن أريح نفسي بالانتحار حتى أسلم من هذه الآلام والعذاب ونحوه.
إنك تتعاطى ما لا يحل لك إذا انتحرت، إنك تتصرف في شيء لا تملكه، إن نفسك ملك لربك وليست ملكاً لك، إنك مأمور بالصبر والتحمل بقدر ما تستطيع، ولو أوذيت غاية الأذى، ولو وصل بك الأذى ما وصل، مأمور بأن تصبر على ذلك، وتعلم أن هذا فيه أجر كبير، فإذا صبرت عليه أثابك، فإما أن يكون هذا الذي أصابك ابتلاء بقوة الإيمان ولضعفه، فإذا صبرت صار إيمانك قوياً، وإما أن يكون عقوبة على ذنوب اقترفتها، فإذا صبرت على ذلك كُفِّرت تلك الذنوب بهذا البلاء وبهذه الأمراض والعاهات ونحو ذلك، وإما أن تكون تلك البلايا والمصائب ونحوها رفعاً لدرجاتك، ونحو ذلك من الأسباب.
إذاً: المسلم إذا ابتُلي صبر كما ورد في الآثار: (عنوان سعادة العبد أنه إذا أعطي شكر، وإذا أذنب استغفر، وإذا ابتُلي صبر) أي: تحمل وصبر على ما يصيبه.
أما هؤلاء الذين إذا حصل عليهم أدنى شيء بادر أحدهم وقتل نفسه، فمثل هؤلاء لم يتحملوا الصبر، ويزعمون أنهم يريحون أنفسهم، وما دروا أن أحدهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، كالذي يفر من الرمضاء إذا أحرقت قدميه، ثم يقع في النار فتحرقه كله! وذلك أن عذاب الدنيا منقطع هين يمكن تحمله، أما عذاب الآخرة الذي هو سخط الله وعقوبته وعذابه الشديد فإنه دائم أبدي سرمدي.