ورد في النية كلام كثير معروف في كتب الحديث، ولكن لما كان الباب متعلقاً بالطهارة فإننا لا نتكلم إلا على نية الطهارة التي نحن في سياقها، فنقول: تشترط النية لكل الأحداث، ورفع الحدث يكون بالوضوء ويكون بالغسل ويكون بالتيمم، وهذه لا بد لها من نية، ولا تشترط النية لإزالة الأخباث، فالذي يغسل وجهه بنية التبرد أو إزالة النعاس لا يكفيه ذلك عن رفع الحدث، ولو أن إنساناً محدثاً غسل وجهه لإزالة النعاس وغسل يديه للنشاط ثم تذكر أن عليه حدثاً فأراد أن يكمّل، فلا يكفيه هذا الغسل، بل لا بد أن يغسل كل عضو بنية رفع الحدث؛ لأن الحدث أمر معنوي، والأمور المعنوية لا بد فيها من النية، فلابد أن يغسل الأعضاء بنية رفع الحدث لا بنية التبرد ولا بنية النشاط ولا بنية إزالة النعاس أو ما أشبه ذلك بل بنية الطهارة.
وقد سمعنا أن بعض الناس يتشدد في أمر النية، وهذا التشدد يكون غالباً وسوسةً من الشيطان ليشككه، فيغسل مثلاً وجهه ويديه، ثم يأتيه الشيطان فيقول: إنك نسيت النية، فيعيد غسلهما مرة ثانية، فإذا غسل يديه قال له: إنك سهوت عن نية غسل اليدين، إنما نويت الوجه فبطل غسل اليدين، فأعد غسلهما، فيعيد وهكذا ربما يعيد خمس مرات أو أكثر، وربما يعيد بعدما ينتهي مراراً، ولا شك أن هذا من الوسوسة التي ينبغي اطراحها.
يقول العلماء: إن النية ملازمة للإنسان، وأنه يستحيل أن يعمل عملاً بدون نية.
فمثلاً: الاغتسال إما أن ينوي به التبرد أو التنظف أو النشاط أو رفع الحدث، فلا بد من نية، فلا يمكن أن يغتسل وهو غافل لا يدري لأي شيء يغتسل، فما دام أن النية ملازمة للعمل فيعتبر فيها بما قاله وما قصده قلبه، ومن الدليل على أن الإنسان ينوي في جميع أعماله: أنك لو سألته وهو ذاهب إلى الحمام: ماذا تريد؟ لقال: أتوضأ أو أرفع الحدث أو أغتسل أو أتطهر، فعرف بذلك أنه قد نوى ولو كان قلبه غافلاً ولو كان فكره شاذاً في حالة مشيه، فلا بد أن تكون هناك نية موجودة.
فلينتبه أولئك الذين يأتيهم الشيطان ويوسوس لهم أنهم قد نسوا النية ويأمرهم بالإعادة، يأتيهم في الوضوء ويأتيهم في الغسل، لدرجة أن أحدهم يبقى في الاغتسال ساعة أو أكثر، وكلما غسل عضواً جاءه الشيطان وقال: أعد فإنك ما نويت، فيتكلف ويشدد على نفسه حتى تفوته صلاة الجماعة، أو تثقل عليه الصلاة.
فالشيطان يثقل عليه العبادة، ويصعّب عليه هذا الشرط، فإذا رأى أن في الصلاة صعوبة أدى ذلك إلى تركها والعياذ بالله.