[شرح حديث: صلاة النبي عليه الصلاة والسلام العصر يوم الخندق بعد الغروب]
قال المؤلف رحمه الله: [عن جابر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش وقال: (يا رسول الله! ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب) ] .
هذه الحديث يتعلق بقضاء الفوائت، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر بعدما دخل وقت المغرب، أي: بعدما غربت الشمس، ويعتبر هذا قضاء حيث قد خرج وقتها، وقد تقدم الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (ملأ الله قبورهم أو بيوتهم ناراً، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس) ، وكان ذلك في غزوة الخندق عندما جاء المشركون وحاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة، وكانوا قد حفروا حولهم خندقاً، وهو متسع لا يستطيع المشركون أن يتجاوزوه بخيولهم ولا برجالهم، وإنما يتناولونهم بالسلاح من بعيد برمي أو نحوه، وكان الذي أشار عليهم بهذا الخندق هو سلمان الفارسي، وسميت الوقعة أو الغزوة غزوة الخندق أو يوم الخندق.
وفي هذا أنهم أخروا الصلاة لاشتغالهم بالقتال، وكان ذلك قبل أن يؤذن لهم في صلاة الخوف، ويمكن أن يكونوا لم يتفرغوا للصلاة واعتقدوا أن القتال سيتوقف قبل خروج الوقت، واستمروا في القتال، وإلا فقد رخص الله لهم في أن يصلوا صلاة الخوف في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:١٠٢] إلى آخر الآية، وسيأتي بعض صفاتها.
ورخص لهم الصلاة رجالاً وركباناً كما قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:٢٣٩] يعني: صلوا على أرجلكم أو صلوا على مراكبكم تومئون إيماء بالركوع وبالسجود، ولكن قد لا يتمكنون فينشغلون انشغالاً كلياً ويؤملون أن القتال ينفصل.
وفي هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه أخروا صلاة العصر حتى غربت الشمس، أما عمر رضي الله عنه فإنه صلاها قبيل الغروب؛ فلهذا جعل يسب المشركين ويقول في سبب سبهم: إنا انشغلنا بهم فلم أصل العصر إلا بعدما كادت الشمس أن تغرب، أي: قرب الغروب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقسم أنه ما صلاها، قال: (والله ما صليتها) يعني: إلى الآن، فتوضأ الصحابة في موضع يقال له بطحان من المدينة، وتوضأ معهم، وصلى العصر بعد الغروب أربع ركعات صلاة عادية، وصلى المغرب بعدها، وفي هذا دليل على تقديم الفائتة على الحاضرة إذا كان الوقت متسعاً.
يقول العلماء: يجب الترتيب إلا إذا خشي فوت الوقت الحاضر، إما إذا كان الوقت واسعاً فإنها تقدم الفائتة، فمثلاً: لو فاتتك صلاة العشاء وصلاة الفجر، وقمت قبل طلوع الشمس، وبقي على طلوع الشمس قدر صلاة ركعتين، فهل تقدم صلاة العشاء أو صلاة الفجر؟ تقدم الفجر؛ لأنك إذا اشتغلت بصلاة العشاء طلعت الشمس، فقدم صلاة الفجر؛ لأن الوقت هو وقتها، ثم صل العشاء التي قد خرج وقتها بعد الطلوع؛ لأنها تعتبر قضاء، وسواء صليتها قبل طلوع الشمس أو بعدها فهي مقضية، أما إذا كان في الإمكان أن تصلي الثنتين قبل الطلوع فصلّ العشاء؛ لأنها أقدم.
ومثل ذلك: لو فاتتك الفجر والظهر والعصر، وانتبهت لها قبيل غروب الشمس، فإذا صليت الثلاث غربت الشمس قبل أن تكملها، فقدم صلاتي الجمع: الظهر والعصر وصلهما، والفجر قد فات وقته، فتصليه قضاء.
أما في هذه الحالة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم العصر؛ لأن الوقت متسع، ثم صلى بعدها المغرب؛ لأنها لا تفوت، فرتب وجعل ذلك من باب التعليم لأمته في كيفية قضاء الصلاة إذا فاتت، وكان الوقت يتسع للمقضية وللحاضرة.