للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث منع العباس وخالد وابن جميل الزكاة]

وأما الحديث الذي ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أرسل جماعة منهم عمر بن الخطاب يجمعون زكاة التجارة التي في المدينة، يمشون إلى التجار ويطلبون منهم الزكاة، فجمعوا من الزكاة ما جمعوا، وكلما جاءوا إلى تاجر أعطاهم زكاة تجارته أو زكاة ماله، ولما رجعوا أخبروه بأن هؤلاء الثلاثة قد منعوا الزكاة، فلام النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم وهو ابن جميل، ولم يعرف اسمه، بل هكذا ذكر، فقال: ما ينقم ابن جميل -يعني: ما ينكر وما يطلب- إلا أن كان فقيراً فأغناه الله.

أي ألا يتفضل إذ أغناه الله فيؤدي حق الله عليه؟ وهي هذه الزكاة التي هي قليل من كثير، فبعدما أغناه الله وأنعم عليه منع حق الله، أنكر عليه منعه للزكاة.

وأما خالد فاعتذر عنه؛ لأنه لم يكن عنده مال، بل جميع ما عنده قد أوقفه في سبيل الله، فعنده أدراع، وهي التي يقاتل بها، وليست للبيع بل هي وقف ومسبلة، وعنده أفراس وخيول وقد جعلها وقفاً، وعنده سيوف وقد جعلها -أيضاً- وقفاً، وعنده رماح، وعنده خناجر، وعنده أقواس، وعنده سهام، وكلها من آلات القتال، وقد سبلها لله، فليست ملكاً له، وهذا دليل على أن الأوقاف لا زكاة فيها؛ لأنها ليست ملكاً لإنسان، بل هي مما ينتفع به في وجوه الخير.

فإذا كان عند إنسان مال موقوف كالأسبال فلا زكاة فيه، ولكن عليه أن يخرج منه في سبيل الله وفي وجوه البر، فالذين على أيديهم أسبال وأوقاف لأموات قد جعلوها -مثلاً- في أعمال البر لا نأمرهم بأن يزكوها، ولكن نأمرهم بأن يصرفوا فضلها في وجوه الخير، فيتصدقون على المساكين منها، ويعمرون منها المساجد أو يساهمون في عمارة المساجد وفي عمارة المدارس الخيرية، وفي كفالة الأيتام ونحوهم، وفي الصدقة على الفقراء والمساكين، وفي إصلاح الطرق والموانئ وما أشبهها، وكذلك في نشر العلم وطبع الكتب والمصاحف، وفرش المساجد، والسقايات والبرادات ونحوها، وكذلك الصدقة على الأقارب والمستحقين، فهذه مصارف الأوقاف ونحوها، وأفضلها مصرف الجهاد، أي: على المجاهدين في سبيل الله، فليس فيها الزكاة التي في أموال التجار ونحوهم؛ لأنها كلها في سبيل الله.

أما العباس فقد كان من التجار، كان عنده تجارة وقد منع، وتعلل بأنه قد فدى نفسه، وقد فدى ابن أخيه لما أسر ببدر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل زكاة عمه وقال: (هي علي، ومثلها) ، وقال: (أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟!) أي: أخو أبيه، فهو وأبوه صنوان، والصنوان: هما الفرخان اللذان ينبتان في أصل النخلة، يقال: في هذه النخلة صنوان، أي: فرخان متساويان.

يقول: إن الرجل وأخاه بمنزلة الصنوين ينبتان في أصل النخلة، فهذا معنى كون عم الرجل صنو أبيه؛ فتحمل عنه هذه الصدقة وأداها عنه، وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يتحمل الإنسان صدقة الفرض عن قريبه، وقد ورد في بعض الروايات أن العباس كان قد قدم صدقته، فقد تعجل منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنا كنا قد احتجنا فأقرضنا العباس صدقة سنتين) ، فلذلك قال: هي علي ومثلها.

ولكن ظاهر الحديث أنه عليه الصلاة والسلام تحملها عنه لقرابته.