الحديث الثاني: يتعلق بقصة ابنة حمزة، وقد تقدم أن علياً عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، ولكن أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تحل له؛ لأن حمزة أخوه من الرضاعة، رضع هو وحمزة من ثويبة مولاة أبي لهب، فهذا حكم: وهو أنها ابنة أخيه من الرضاع، ومع ذلك لم يطالب بحضانتها.
فلما قتل حمزة رضي الله عنه سنة ثلاث من الهجرة في وقعة أحد كانت ابنته عمارة في مكة، وكانت صغيرة مع أمها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في سنة سبع مكة في عمرة القضية، ثم خرجوا من مكة تبعتهم ابنة حمزة تنادي وتقول: يا عم! يا عم! وذلك لأنها قد كبرت عن سن الحضانة، تجاوزت عشر سنين أو نحوها، فأرادت أن تكون مع أهلها، وأمها وأخوالها كانوا لا يزالون مشركين.
والحاصل أنها لما تبعتهم أركبها علي رضي الله عنه مع زوجته فاطمة على بعيرها، وقال: دونك ابنة عمك، وذهبوا بها إلى المدينة، فطلب كفالتها هؤلاء الثلاثة، كل منهم يريد أن تكون تحت كفالته؛ ليأخذ أجرها لكونها يتيمة، فـ علي رضي الله عنه يقول: هي بنت عمي، فإنه حمزة عمه وهو عم جعفر وعم النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة ابنة ابن عمها كأنه يقول: أدلي بقرابتي لها وقرابة امرأتي.
أما جعفر فأدلى أيضاً بحجتين وهو أنها بنت عمه، وأن زوجته خالتها أخت أمها، وزوجته هي: أسماء بنت عميس، فطلبها جعفر أيضاً، وكذلك طلبها مولاهم زيد بن حارثة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين حمزة فقال: ابنة أخي، يعني: بالمآخاة، ولكنه صلى الله عليه وسلم جعلها تحت كفالة خالتها وكفالة ابن عمها جعفر وقال:(الخالة بمنزلة الأم) الكفالة هنا إنما هي النفقة، وإلا فالحضانة قد ذهب وقتها، الحضانة تكون قبل السبع السنين، وأما بعد سبع سنين فإنه لا يحتاج الطفل إلى حضانة، ولكن لما كانت يتيمة أراد كل من هؤلاء الثلاثة أن يحظى بكفالتها وبالنفقة عليها.
قوله صلى الله عليه وسلم لـ علي:(أنت مني وأنا منك) يعني: أنت لك الفضل ولك القرابة، القرابة لكونه ابن عم، والقرابة لكونه صهراً، والقرابة لكونه قديم الإسلام، ولكونه قديم الهجرة.
وقوله لـ جعفر:(أشبهت خَلقي وخُلقي) فيه فضل عظيم لـ جعفر رضي الله عنه.
وقال لـ زيد:(أنت أخونا ومولانا) ، فأرضى كل واحد منهم بهذا الأمر، وبكل حال فهذا دليل على تنافس الصحابة رضي الله عنهم في فعل الخير، ومسابقتهم إليه، وأن كلاً منهم يحرص على أن يكون من السابقين إلى الخيرات، وأن يكون من الذين يحظون بالأجر في كفالة اليتيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(أنا وكافل اليتيم كهاتين) أي: في الجنة، يعني: بعضنا يكون مع بعض في الجنة فأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها، وفرق بينهما شيئاً.
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى، وبمراعاتهم، ونهى عن إضرارهم، وقال:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ}[البقرة:٢٢٠] .