يجوز أن يجعل على الوقف ناظر، والناظر هو الوكيل، إذا كان الوقف مثلاً عقاراً احتاج إلى ناظر، فهذا الناظر هو الذي يؤجره، وهو الذي يقبض الأجرة، وهو الذي يستغله، وهو الذي يعمر منه ما وهى وما فسد ويصلحه، وهو الذي يصلحه إذا خرب، كما إذا كان جهازاً من الأجهزة يحتاج إلى إصلاح، فلابد أن يكون له ناظر.
هذا الناظر قد يلقى مشقةً وتعباً؛ فلذلك يستحق أن يجعل له جزء من الغلة، فـ عمر رضي الله عنه في هذا الأثر ذكر أن الذي يليه يجوز له أن يأكل، ويجوز له أن يطعم صديقه، أو يطعم زواره، ولكن لا يتمول منه مالاً، إنما يأكل منه بقدر نفقته أو بقدر تعبه وعمله، فإذا زاره أصدقاؤه أو نحوهم أطعمهم من ثمر هذا الشجر من فاكهة أو ما أشبهها، أما أن يتخذ منه مالاً فلا، فإذا لم يجد إلا بأجرة، جاز أن يقول مثلاً: لك من غلته (٣%) ، أو (٥%) ، أو ما أشبه ذلك، على أن تصلح ما وهى منه، إذا تصدعت حيطانه تصلحها مثلاً، وإذا وهى سقفه تتعاهده، وإذا خربت أدواته تصلحها، وما أشبه ذلك، فإنه: غالباً بحاجة إلى من يقوم عليه.
فالحاصل أن الذي يوقف هذه الأوقاف يريد بذلك استمرار الأجر، وأن يأتيه أجرها بعد موته، ويستمر العمل الصالح له وهو ميتٌ، حيث ينتفع بهذه الأدوات أو بهذه الغلات أو ما أشبهها، ويدعو له أيضاً الذين ينتفعون بذلك، ويترحمون عليه، فيحصل بذلك على أجر؛ ولذلك فإن أكثر الصحابة رضي الله عنهم جعلوا أوقافاً وأحباساً، وعرفت أحباسهم في مكة وفي المدينة وفي البصرة والكوفة، وفي غيرها من المدن والقرى، واستمر الانتفاع بها أزمنةً عديدة إلا أن اضمحلت المنفعة بها أو تلاشت وقلَّت؛ فعند ذلك نقلت إلى غيرها.
ولا يزال هناك أوقافٌ تعرف بأوقاف كذا وكذا، وقد تجعل في جهةٍ خاصة كأن يقال مثلاً: هذا البيت وقف على هذا المسجد، يعمر به أو نحو ذلك، أو تابعٌ له، كوقف على الإمام الذي يصلي به أو من يؤذن فيه أو ما أشبه ذلك، أو يقال: وقفٌ على الكعبة، كالذي يوقف أمواله على الكعبة، أو على المسجد الحرام، وهي أوقافٌ كثيرةٌ، أو في شيء خاصٍ، كانوا يوقفون مثلاً على الأدوات التي يحتاج إليها أهل المسجد كمياه الشرب أو مياه الطهارة والوضوء أو آبار يحفرونها أو مياه يجرونها لمن يتطهر في هذا المسجد، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك يلتمسون به بقاء الأجر واستمراره بعد الوفاة.