البيع من الحاجيات التي لا يستغنى عنها في هذه الحياة، ويحصل بها منفعة للطرفين، فالبائع يشتري السلعة برخص، ثم يبيعها بربح؛ فتنمو تجارته، والمشتري يبذل فيها الثمن ويستعملها لحاجته، ويحصل بها منفعته الضرورية التي هو بحاجة إليها، فهو بحاجة إلى ثوب ليلبسه، أو طعام ليأكله، أو دابة ليركبها أو ليأكل من لحمها، أو بيت ليسكنه، فهو بحاجة إلى سلعة يستعملها وليست عنده، وهناك آخر قد ملكها ويريد الربح فيها، فهذا يربح في سلعته، وهذا يستعملها ويبذل فيها مالاً، فهذا هو أصل شرعية البيوع.
والأصل في هذه البيوع أنها على الإباحة، ولا يحرم منها شيء إلا بدليل، ولا شك أن الشرع الشريف قد تدخل في مثل هذه الأمور، فحرم منها أشياء، وأباح أشياء، والغالب أن الذي حرمه هو الشيء الذي فيه ضرر على أحد المتبايعين، فنهي عن ذلك الضرر.
والله تعالى قد أرشد العباد إلى بعض الأمور، ونهى عن الضرر، كما في قوله تعالى:{غَيْرَ مُضَارٍّ}[النساء:١٢] ، وفي قوله:{وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}[البقرة:٢٨٢] ، واشترط الرضا في قوله تعالى:{إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء:٢٩] ، وأمر بالإشهاد فقال تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة:٢٨٢] يعني: إذا خيف إنكار أحد المتعاقدين شرع الإشهاد، وقال تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}[البقرة:٢٨٢] .