ننتقل إلى الحديث الثاني قصة تميمة بنت وهب، حيث ذكرت أنها كانت تحت رفاعة فطلقها وبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وذكرت أن ما معه مثل الهدبة، وكأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) ، والله تعالى ذكر أن الطلاق مرتان، يعني الطلاق الرجعي، فبعد المرتين يقدر أن يمسك ويقدر أن يسرح، وذكر أن بعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً، أي: بعد الطلقتين.
ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:٢٣٠] .
وسبب نزول هذه الآية أن المشركين في الجاهلية لم يكن عندهم عدد للطلاق، ولما كان في أول الإسلام غضب رجل على امرأته وسبها فقال: لأعذبنك.
فقالت: كيف تعذبني؟ قال: أطلقك، فإذا قربت العدة أن تنتهي راجعتك، ثم بعد ذلك أطلقك ثم أراجعك في آخر العدة.
بهذا كانت المرأة تبقى بدون زوج عشرات السنين متألمة معذبة لا أيماً ولا ذات زوج، فساءها ذلك ورفعت أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعند ذلك أنزل الله العدد الذي يملكه الزوج، وهو طلقتان يملك بعدهما الرجعة، حتى لا يتلاعب الرجال الفسقة بأمور نسائهم، فجعل الطلاق الذي يراجع بعده مرتين، بمعنى أنه قد يطلق في حالة غضب، أو يفكر أنه لا حاجة به إلى هذه الزوجة، أو يرى منها سوء تصرف فيوقع الطلقة الأولى، فبعد ذلك يندم ثم يُمكن من مراجعتها، وتحسب عليه طلقه، ثم تجيء مرة أخرى يسوء ما بينهما من العلاقة، فعند ذلك قد يوقع بها طلقة ثانية عن غير تروٍ وعن غير تبصر، فيندم بعد ذلك كما حصل لكثير منهم، ثم إذا ندم رأى أن في الأمر سعة فعند ذلك يستردها بعد الطلقة الثانية، ثم يفكر أنه إذا أوقع الطلقة الثالثة حرمت عليه إلا بعد زوج، فإذا فكر في ذلك قال: لا أفرط في امرأتي وأم ولدي.
فيحمله ذلك على أن يمسكها ما دام راغباً فيها، لكن لو قدر أنه تسرع وطلقها الطلقة الثالثة حينئذ تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ودليله هذه الآية، وهي قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا}[البقرة:٢٣٠] يعني الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة:٢٣٠] .