للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية تقليد الهدي وإشعاره]

وكان من علامة ما يهدونه أن يجعلوا في رقابه قلائد، يفتلون قلائد من ليف أو من صوف أو من شعر، ثم يجعلونها في رقاب الإبل أو في رقاب الغنم والبقر، فإذا رؤيت معلقة فيها قلادة عُرف أنها هدي فامتنع الناس من التعرض لها، فلا يركبونها، ولا يحلبونها إلا إذا بقي بعد ولدها لبن، ولا ينحرونها، ولا يعترضونها، ولا يسرقونها، ويحترمونها؛ لأن لها حرمة؛ لأنها مهداة إلى بيت الله تعالى، معظم بها حرمات الله عز وجل.

هكذا كان الهدي، وأكثر ما كانوا يهدون البدن التي هي الإبل، يقول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦] ، فهذا هو الأصل في الهدي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي كثيراً، ففي غزوة الحديبية سنة ست لما توجه إلى مكة ومعه أصحابه ساق معه مائة بدنة أو سبعين بدنة، وللصحابة الذين معه غيرها، فوصلوا إلى الحديبية، ولكن لم يمكنهم المشركون من أن يصلوا إلى البيت فصدوهم عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انحروها في مكانكم وتحللوا) ، ونزل في ذلك قوله تعالى: {هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} أي: مصدوداً (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح:٢٥] صدوكم وصدوا الهدي وصرفوه ومنعوه أن يبلغ محله.

ولما كان في سنة سبع واعتمر عمرة القضية ساق معه هدياً فذبحه في مكة بعدما تحلل من عمرته، ولما حج أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع أرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم هدياً، وبقي في المدينة ولم يذهب، ولما حج سنة عشر ساق معه هدياً، ومجموع ما ساقه من المدينة وما جاء به علي من اليمن مائة بدنة، فهذا دليل على أنه كان دائماً يرسل الهدي أو يسوق الهدي معه، وعمل بذلك الصحابة من بعده، فكانوا كلما ساروا إلى مكة -غالباً- يسوقون معهم هدياً إلى البيت ويقلدونه ويشعرونه.

أما تقليده فقد عرفنا أنهم يفتلون حبالاً من ليف أو من شعر ويجعلونها في رقابه، وقد يعلقون في رقاب الإبل أحذية، فإذا رأى إنسان هذا البعير أو هذا الجمل أو الناقة قد علق في رقبتها نعلان عرف أنها هدي فاحترمها ولم يتعرض لها، فالنعلان علامة على أنها هدي.

وكذلك من علاماتها الإشعار، وهو أنهم يشقون أسنمة الإبل حتى يسيل الدم، ثم يأخذون صوفة منها فيبلونها في ذلك الدم حتى ينقلب لونها أحمر، ثم يربطونها في ذروة البعير، فإذا رؤيت والدم قد ظهر لونه على تلك الصوفة أو على ذلك الوبر الذي في ذروة سنامه عرف بأنها هدي فلم يتعرض لها، وهذا الإشعار خاص بالإبل؛ لأنها تتحمل، أما الغنم فإنها لا تشعر، وذلك لصغرها، وكذلك اختلف في البقر، هل تشعر أم لا؟ ولم ينقل الإشعار إلا في الإبل، فالظاهر أنه يقتصر عليها، هذا معنى الهدي.