[شرح حديث:(جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع)]
هذا الحديث يتعلق بالجمع بين الصلاتين في ليلة جمع، وليلة جمع هي ليلة مزدلفة، فمزدلفة تسمى (جمعاً) ، فإذا قيل: أفاضوا إلى جمع.
باتوا في جمع.
ليلة جمع فالمراد بجمع (المزدلفة) ، فالنبي صلى الله عليه سلم لما انصرف من عرفة بعدما غربت الشمس توجه إلى مزدلفة، وكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نصَّ، وكان يمسك زمام دابته، فإذا أتى حبلاً من الحبال الرملية أرخى لها حتى تصعد، وكان يقول لأصحابه: السكينة السكينة.
أي: أن يسيروا تؤدة.
والطريق بين الموقف الذي هو جبل الرحمة وبين المشعر الحرام يستغرق فيه أكثر من ساعتين، فلم يصلوا إلا بعد ساعتين ونصف مع أنهم أيضاً يسرعون، ولما وصلوا بادروا بإقامة الصلاة، فأول شيء بدؤوا به صلاة المغرب والعشاء؛ لأنهم أخروا المغرب ولم يصلوه حتى وصلوا إلى مزدلفة، فبدؤوا بإقامة الصلاة قبل حط الرحال.
فبدؤوا بالصلاة، صلوا المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، جمعوا بين الصلاتين جمع تأخير وقصروا العشاء الرباعية، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته بينهما نافلة، ولم يتنفل بعدهما، وإنما اقتصر على الفريضة، وذلك لأنه مسافر، والسفر مظنة المشقة، وقد شق عليهم، وذلك لأنهم من نصف النهار من حين صلوا الظهر وهم وقوف على رواحلهم، أي: أكثر من ثمان ساعات، ففي هذه الأزمنة من نحو الساعة السادسة بالتوقيت العربي أو الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الثامنة ليلاً أو نحو ذلك، فهذه المدة التي هي ثمان ساعات لابد أنهم فيها قد تعبوا وسئموا.
ثم بعد ذلك اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم واضطجعوا وناموا إلى آخر الليل، ثم بعد ذلك صلوا الفجر مبكرين، ثم ذكروا الله، ثم توجهوا إلى منى، هذه هي السنة، أن المسافر يؤخر الصلاة إلى أن يصل إلى جمع، أي: إلى مزدلفة.
والناس في هذه الأزمنة يتفاوتون، فبعضهم يكون الطريق بالنسبة له من عرفة إلى مزدلفة في أربع دقائق، فيصلونها في وقت مبكر فلا يعوقهم عائق، فيقطعون الطريق في أربع دقائق وخمس دقائق وعشر دقائق وربع ساعة، فنقول: ساعة وصولكم صلوا.
وبعضهم يعوقهم السير ويتعثرون ولا يسيرون إلا ببطء، ولا يصلون إلا نصف الليل أو آخر الليل، نقول: تؤخرون الصلاة ولو لم تصلوا إلا الساعة الثانية أو الثالثة في آخر الليل، أخروا الصلاة مادمتم تأملون أنكم تصلون، أما الذين يخشون أن يطلع الفجر قبل أن يصلوا فإنهم لا يؤخرون الصلاة، فإذا خشوا فوات الوقت وطلوع الصبح صلوها في آخر الليل، صلوها قبل الفجر بساعة أو ساعتين، وصلوها ولو في الطريق، فيقال لهم: اجتنبوا عن الطريق قليلاً ثم قفوا وصلوا، ولا تؤخروها حتى يخرج وقتها.
أما السنة والنافلة بعدها فالأمر في ذلك مباح في هذه الأزمنة لوجود الراحة وعدم المشقة.