قال الله المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب في صفة تغسيل الميت وتشييع الجنازة.
عن أم عطية الأنصارية قالت:(دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته زينب، فقال: اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني، فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه -تعني إزاره، وفي رواية: أو تبعاً- وقال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، وأن أم عطية قالت: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون) .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال: فأوقصته-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ، وفي رواية:(ولا تخمروا وجهه ولا رأسه) .
وقال المصنف رحمه الله: الوقص: كسر العنق] .
هذه الأحاديث فيها صفة تغسيل الميت وتكفينه، وقد ذكر لنا أن تغسيله وتكفينه من فروض الكفايات، وفروض الكفايات هي التي إذا قام بها بعض المكلفين سقط الإثم عن الباقي، وإذا تركوها كلهم وهم قادرون أثموا كلهم، فيدل على أنهم مكلفون.
فإذا مات إنسان بين أهل بلد ففرض عليهم أن يقوموا بتغسيله، ثم بتكفينه، ثم بحمله والصلاة عليه، ثم بدفنه، فريضة عليهم، فإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين، فإذا تركوه كلهم وهم قادرون أثموا كلهم، أي: لحقهم الإثم.
وذلك لأن من كرامة ابن آدم أنه بعد موته لا تبقى جثته على الأرض تأكلها السباع والطيور ونحوها لحرمة ابن آدم، بل شرعت مواراته، وشرع دفنه ومواراة جثته، يقول الله تعالى:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}[عبس:٢١] أي: شرع أن يقبر.
ويقول:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}[طه:٥٥] فهذا دليل على أن دفن المسلم بعد موته من فروض الكفايات، وأما الكفار فلا يعترفون بذلك، بل يحرقون أمواتهم، أو يشرحونهم -كما يقولون-، أو ما أشبه ذلك.
ففرض -أولاً- تغسيله رجلاً كان أو امرأة، ففي حديث ابن عباس الذي ذكره المصنف تغسيل الرجل، وفي حديث أم عطية تغسيل المرأة، فدل على أن الرجل أو المرأة بعد الموت كل منهما يغسل، فالمرأة يغسلها النساء والرجل يغسله الرجال.