للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع لعذر المطر والمرض ونحوه]

ويجوز الجمع أيضاً لبعض الأعذار، كالجمع للمطر والمرض ونحو ذلك.

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بن الظهرَين للمطر، وجمع بين العشاءين للمطر، وسبب ذلك المشقة، وذلك أن المدينة كانت ضيقةً أسواقُها ودحضاً ومزلَّةً وتمتلئ إذا جاء السيل بالوحل وبالطين ونحو ذلك، فيصعب عليهم أن يصلوا إلى المسجد إلا بمشقة، وربما سقط أحدهم بذلك الحمأ المسنون وتلوثت ثيابه، وصعُب عليه أن يخرج منه، فرُخِّص له فجمع الظهرَين مرةً وجمع العشاءين مراراً لسبب المطر.

وأما حديث ابن عباس: (أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير سفر ولا مطر) ، فقيل لـ ابن عباس: ماذا أراد بذلك؟ فقال: أراد ألَّا يحرج أمته.

فإن هذا دليل على أن هناك عذراً وحرجاً أراد أن يمحوه.

فقيل: إنه كان هناك شغل لكثير من صحابته، وقيل: إن هناك مرضاً له أو لغيره، والمرض من الأسباب التي يباح للمريض بها أن يجمع، والمريض يجوز له أن يجمع بين الصلاتين إذا كان يشق عليه أن يذهب إلى دورات المياه لأجل الوضوء كل وقت، وأحب أن يتوضأ للظهرَين وضوءاً واحداً ويصليهما، وللعشاءين وضوءاً واحداً، حتى لا يشق عليه.

وكذلك إذا كان يشق عليه الجلوس، فإذا أُجْلِس للظهر صلى معها العصر، وإذا أُجلس للمغرب صلى معها العشاء، حتى لا يشق عليه كثرة الجلوس وكثرة الحركة.

فمثل هذا عذر من الأعذار وهو المرض؛ فيجوز له الجمع.

وورد أيضاً: الجمع بالنسبة للمرأة التي هي مستحاضة؛ ولكن قال بعضهم: إنه جمع صوري، فالمستحاضة وهي المرأة التي يجري معها الدم ولا ينقطع، أمرت بأن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً تجمع بينهما، وتصلي الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها؛ ولكن جمع صوري -كما يقولون- وليس معه قصر، إنما هو جمعٌ مع الإتمام.

فهذه هي الأسباب التي لأجلها يُجمع بين الصلوات.

أما القصر في السفر فهو أيضاً من الرخص التي ذكر العلماء أنه يترخص بها إذا وُجد سببها.

وبكل حال فهو من الأسباب التي يشرع للإنسان القصر فيها، فيعرف أن الإسلام دين السهولة واليُسر، وأنه جاء بما فيه السهولة ونهى عن الصعوبات ونحوها.

ومفاد هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قَصَر الرباعية ركعتين؛ لأن الله تعالى رخص له في ذلك بقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:١٠١] ، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنها رخصة من الله تعالى وصدقة لقوله: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) .