[شرح حديث دخوله صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد]
قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم الباب، فلما فتحوا الباب كنت أول داخل، فلقيت بلالاً فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
بين العمودين اليمانيين) .
وعن عمر رضي الله عنه: (أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -حين يقدم مكة- إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف.
يخب ثلاثة أشواط) .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين) ] .
هذه الأحاديث تتعلق بالطواف بالبيت وما يتصل به، ومعلوم أن البيت الحرام هو الذي شرفت به مكة، فهو أشرف بقعة على وجه الأرض، هذا البيت هو الذي فرض الله حجه، فرض الله السفر إليه، وفرض التعبد حوله، وجعل قصده عبادة من العبادات، وجعل التوجه نحوه في الصلاة فرضاً على كل مسلم في شرق الأرض وفي غربها، أن يستقبلوه لشرفه، وأخبر تعالى بأنه بيته، وأضافه إلى نفسه فقال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:٢٦] ، {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة:١٢٥] ، وأمر بعبادته لأنه ربه {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش:٣] فهذا البيت الذي هو البيت الحرام الكعبة المشرفة له هذه الميزة.
وفي هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت في غزوة الفتح، لما فتح مكة في سنة ثمان واستولى عليها، أراد أن يدخل البيت الحرام، وكانت السدانة ومفتاحه عند بني عبد الدار، وكان الذي عنده المفتاح في ذلك الوقت هو أحد بني عبد الدار، ويقال له: عثمان الحجبي.
فسدنة الكعبة يقال لهم (الحجبة) ؛ لأنهم يحجبون الناس عنها، فطلب المفتاح من عثمان هذا، ولما أخذ المفتاح خاف بنو عبد الدار أن لا يرده عليهم، وقالوا: إنه أمانة.
فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨] فرده إليهم، وأصبحوا هم سدنة الكعبة.
ودخل الكعبة لأجل أن يطهرها مما كان قد أدخله المشركون فيها، فوجد فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فدعا بماء فمحا تلك الصور، ولو كانت صورة الخليل وإسماعيل، ومحا الأزلام التي صورا على أنهما يستقسمان بها، وقال: (قاتلهم الله! والله ما استقسما بها قط) ، والاستقسام بالأزلام عادة جاهلية، جعلها الله من العادات السيئة، وقرنها بالخمر في قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:٩٠] وقال: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة:٣] .
ثم لما دخلها صلى ركعتين بين العمودين؛ لأنها كانت على ستة أعمدة في ذلك الوقت، ولما خرجوا منها كان ابن عمر أحرص على أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل بلالاً: أين صلى؟ فذكر له أنه صلى بين العمودين المتقدمين، حرصاً منه على أن يصلي في موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ونسيت أن أسأله كم صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض الروايات أنه صلى ركعتين.
وعلى كل حال فإنه لا يلزم كل أحد أن يدخل داخل الكعبة، ومن تيسر له فدخلها فله أن يصلي فيها ركعتين، ولا يلزم الدخول، وروي: (أن عائشة طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل البيت، فقال لها: صلي في الحجر؛ فإن الحجر من البيت) والحجر: هو حجر إسماعيل الذي في شمال البيت، فهذا بعضه من البيت، ومن صلى فيه فكأنه صلى داخل الكعبة.
وقد روي -أيضاً- أنه لما دخلها تأسف على دخولها، وقال: (أخشى أن أشق على أمتي) يعني: أن يعتقدوا أن دخولها سنة فيزدحموا عليها، فبين أنه لا يلزم دخولها، وإنما دخلها ليطهرها.
وقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يجوز أن يصلي الفرض في داخلها، وأن من صلى الفرض في داخل البيت أو داخل الحجر لا تصح صلاته، وذلك لأنه لم يستقبل البيت كله، بل جعل بعضه خلف ظهره، والمصلي لا بد أن يستقبله كله، أما النافلة فيتسامح فيها، فيجوز استقبال جزء من الكعبة.