أحاديث الباب تتعلق بربا الفضل، وتتعلق بالصرف، وهو أحد قسمي الباب، فإن الباب معقود للربا والصرف.
والصرف هو: بيع نقد بنقد، والنقود تختلف، ففي هذه الدولة نقدان أصليان؛ نقد من الذهب؛ وهو: الجنيه السعودي، ونقد من الفضة؛ وهو: الريال السعودي، أو ما يقوم مقامه من الأوراق النقدية، والنقد الثالث الذي هو الفلوس أو القروش ملحق أيضاً بالنقد الفضي؛ وذلك لأنه بدل عنه، أو قائم مقامه، أو فرع عنه.
فبيع نقد بنقد يسمى: صرفاً، فلابد فيه من التقابض؛ بأن يكون يداً بيد، فإذا اشتريت جنيهاً بدراهم، فلابد من التقابض؛ لأن الجنيه يكون معمولاً من الذهب، وجميع الذهب يكون ربوياً، والعلة فيه هي العلة في الجنيه وفي الدينار، فلا يباع الذهب إلا يداً بيد إذا بيع بفضة أو بنقد آخر.
وفي الحقيقة: الكلام في مثل هذا قد يحتاج إلى إطالة، والمهم أن نعرف أنك -مثلاً- إذا اشتريت ذهباً فإنك تشتريه يداً بيد، فإن بقي عليك شيء فإنك تأخذه على أنه ذهب، لا على أنه دراهم.
مثال ذلك: إذا اشتريت أسورة من الذهب التي تُجعل في اليدين، أو قلائد تُجعل في الرقبة، أو أقراطاً تُجعل في الأذن، أو خواتيم تُجعل في الأصابع، أو ما أشبهها من الذهب المصوغ الذي قد أصبح حلياً يتحلى به، فإذا اشتريته وقيمته -مثلاً- عشرة آلاف، ووزنه -مثلاً- ثلاثمائة جرام، ولم تجد معك إلا نصف الثمن، فالبائع لا يقول: في ذمتك ثلاثمائة جرام، بل يكتب: في ذمتك مائة وخمسون جراماً، فإذا أتيت لتقضيه ووجدت الذهب قد رخص فإنك تشتريه جديداً برخص، وإن كان قد ارتفع وغلي فإنك تشتريه شراءً جديداً ولو كان في ذمتك، ولو كان في بيتك، فتقول: عندي لك مائة وخمسون جراماً من الذهب، وهذه قيمتها معي، فإذا قال: ارتفعت قيمتها عن الأمس أو انخفضت، فتجددون لها قيمة، وهذه هي السلامة من بيعها بثمن مؤجل؛ وهذا معنى قوله:(لا تبيعوا منها غائباً بناجز) يعني: إذا كان الذهب غائباً وبعتموه بناجز، أو الفضة غائبة وبعتموها بناجز كان ذلك ربا.
وأما إذا كان أحدهما في الذمة، فإنه يجوز المحاسبة والبيع عنه، ولهذا جاء في حديث ابن عمر:(كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فهذا صرف بعين وذمة، فأصبح ذلك جائزاً.
وأما قوله:(لا تشفوا بعضها على بعض) فإنه قال ذلك في الذهب، وكذلك في الفضة، أي: لا تبيعوا منها كثيراً بقليل، والشف بمعنى: الزيادة، فقوله:(لا تشفوا) يعني: لا تزيدوا، فلا تبيعوا -مثلاً- حلياً قديماً بحلي جديد أكثر قيمة، فلا تقل مثلاً: هذا حلي وزنه عشرون قيراطاً ولكنه مستعمل، بعني بدله خمسة عشر قيراطاً جديداً، فإن هذا لا يجوز، بل لابد أن يكون مثلاً بمثل، عشرين وعشرين، وإذا لم يوافق صاحب الذهب فإنك تبيعه المستعمل بدراهم، ثم تشتري بالدراهم جديداً، فأما أن تقول: حلي بحلي أكثر منه أو أقل فهذا لا يجوز، وهذا معنى قوله:(لا تشفوا بعضها على بعض) وهذا في الذهب، وهو كذلك في الفضة؛ لأن الفضة يصنع منها أيضاً حلي، فتصنع خواتيم من الفضة، وتصنع أيضاً خلاخل من الفضة، وتصنع أيضاً أسورة من الفضة، ومع ذلك قد تباع بالفضة النقدية، وبالريال النقدي الذي هو فضة، أو ما يقوم مقامه من الأوراق النقدية، ومع ذلك لا يجوز أن يباع إلا مثلاً بمثل أو بقيمته.
أما بيعه بالعروض فلا بأس أن يباع بالعروض ولو غائبة، فلو مثلاً: كان هناك حلي وزنه -مثلاً- عشرون قيراطاً، فاشتريته بخمسة أكياس أرز، فإنه يجوز ولو كان الأرز غائباً؛ لأنه ليس من جنسه.