وقد اختلف العلماء في تفسير الصعيد، والصحيح أنه وجه الأرض المستوية الذي عليه تراب يمكن أن يمسح منه، وسمي بذلك لصعوده على وجه الأرض، أو لأنه يتصاعد منه تراب يعلق باليد، أو أنه إذا أتته الريح تصاعد منه التراب والغبار ونحوه، وقد يطلق الصعيد على وجه الأرض المستوية، كما في قوله تعالى:{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:٤٠] ، يعني: مستوية ليس فيها أشجار ولا ثمار، فأصبح الصعيد هو المستوي من الأرض، فإذاً التيمم يكون من التراب المستوي من الأرض.
اشترط بعض العلماء أن يكون له غبار، وأخذ هذا الشرط من قوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة:٦] قالوا: إن كلمة: (منه) تدل على التبعيض، وأنه يعلق منه غبار في اليد يمسح منه الوجه ويمسح منه الكف، فإذا كان لا غبار فيه لم يكن هناك تمسح منه.
والصحيح أنه لا يشترط ذلك وإنما يكفي ضرب الأرض إذا كانت مستوية وفيها تراب ونحوه.
ويكثر السؤال عن الأماكن التي قد يعوز فيها التراب، يعني: المساجد المبلطة أو المفروشة مثلاً، والشوارع المسفلتة التي لا يوجد فيها تراب، والصحيح أنه يجوز ضرب وجه مثل هذه الأرض؛ لأن ذلك يصدق عليه أنه صعيد، ولكن لا بد أن يكون طاهراً حيث اشترط الله الطيب بقوله:(صَعِيدًا طَيِّبًا) ، فإذا كانت نجسة لم تجز التيمم منها، فلو ضرب الأرض باليدين وتلك الأرض نجسة أو فيها قذر أو نحو ذلك، فإنه لا يصح التيمم به.
وإذا كان المكان فيه فراش أو نحوه وفيه شيء من الغبار كفى أن يضرب وجه الأرض حتى يتطاير منه الغبار، وإذا لم يكن فيه غبار ولم يجد مكاناً يتيمم منه فإنه يأتي بتراب ليتيمم منه.
وإذا لم يستطع إحضار التراب صلى ولو بدون تيمم، وذلك كالمرضى الذين يكونون في المستشفيات لا يجدون التراب ولا يستطيعون الوصول إلى الماء فهم معذورون، وقد ذكر الله تعالى المرض من جملة الأعذار كما في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}[المائدة:٦] ، خص المرضى وإن كانوا يجدون الماء، وذكر المسافر لأنه غالباً يفقد الماء.
فالمريض قد يصعب عليه استعمال الماء، وقد لا يستطيع الوصول إلى أماكن المياه، وقد لا يستطيع أيضاً غسل أعضائه من شدة المرض؛ فله أن يتيمم، فإذا كان على سرير والسرير عليه فراش نظيف ليس فيه غبار، فيمكن إحضار تراب له في طست أو في إناء ليضرب عليه، فإذا لم يتيسر كبعض المستشفيات التي يمنع فيها إحضار التراب ونحوه، فإنه إن استطاع أن يضرب الفراش ولو بدون غبار فعل، وإلا صلى على حسب حاله ولو بدون تيمم أو بدون تراب.
والحاصل أن التيمم لا يكون إلا من الصعيد؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:(عليك بالصعيد، فإنه يكفيك) ، وكما في الآية:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}[المائدة:٦] ، فإذا لم يتيسر صلى على حسب حاله.