قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [كتاب الحج باب المواقيت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل) قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويهل أهل اليمن من يلملم) ] .
هذا كتاب الحج، بدأه بالمواقيت، وجعل العلماء الحج آخر أركان الإسلام، فلما ذكروا أركان الإسلام العملية بدءوا بالصلاة، ثم بالزكاة، ثم بالصوم، ثم الحج، فرتبوها على ترتيب الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم:(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) ، أما الشهادتان فأفردت لهما مؤلفات لأنهما متعلقتان بالعقائد، ولما كانت بقية الأركان من الأعمال جعلت في كتب الأحكام.
والحج ركن من أركان الإسلام كما في هذا الحديث، والحج: هو قصد البيت الحرام لأداء هذا النسك في زمن مخصوص من شخص مخصوص.
أما حكمه فقد ذكرنا أنه ركن من أركان الإسلام، ولكن لا يجب إلا على المستطيع، ولا يجب إلا مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع، وقد كان معمولاً به في الشرائع قبلنا، كان الأنبياء الذين قبلنا يحجون البيت، وقد ذكر الله تعالى أن إبراهيم هو الذي بنى البيت -يعني: جدد بناءه- لما وضع ابنه إسماعيل عند مكانه، قال:{إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[إبراهيم:٣٧] ، فكيف يكون وضعه عند البيت مع أنه لم يبنَ؟! نقول: قد كان مبنياً قبل إبراهيم، بل قبل آدم، قال الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٦-٩٧] ، فأخذوا من هذه الآية أنه أول بيت بني على وجه الأرض، قيل: إنه بني قبل خلق آدم بكذا وكذا سنة، ولما أهبط آدم أمر بأن يطوف عليه كما تطوف الملائكة حول عرش الله تعالى أو حول البيت المعمور تعبداً لله، فكان ذلك منه عبادة من العبادات، وحجه الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حجه نوح وهود ولوط وشعيب وصالح ونحوهم من الأنبياء.
ثم بقي البيت معظماً حتى في الجاهلية، فأهل الجاهلية الذين قبل الإسلام بقي فيهم هذا البيت مقدساً محترماً عندهم، يحجونه ويقصدونه من أماكن نائية، ويطوفون به، ويحترمون -أيضاً- البلدة كلها، يحترمون مكة لأنها البلد الذي احتوى على هذا البيت، فهي حرم، فيلقى فيها الرجل قاتل أبيه فلا يهيجه ولا يفزعه احتراماً لهذا البيت، فلذلك أصبح هذا البيت محجوجاً حتى قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام فرض الله تعالى هذا الحج على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه فرض في سنة عشر أو سنة تسع، وقد كان قبل ذلك مسنوناً مرغباً فيه غير واجب، أما بعد أن فرض فقد أصبح ركناً من أركان الإسلام.