[شرح حديث: (المتعة في الحج سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)]
في الحديث الأول أن نصر بن عمران: أنه سأل ابن عباس عن متعة الحج فأمره بها، يعني: أمره بأن يتمتع في الحج.
يقول: فكأن أناساً كرهوها.
يعني: كرهوا المتعة، فنام أبو جمرة ورأى في المنام قائلاً يقول له: حج مبرور ومتعة متقبلة.
فسر بذلك، وقص هذا على ابن عباس خبر هذا الذي نبهه وذكر له أن المتعة متقبلة (متعة متقبلة) ، فلما أخبر ابن عباس قال: الله أكبر! سنة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: هذا المتعة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء الذين كرهوها وذكرهم أبو جمرة لهم سلف، وهناك من كانوا على طريقتهم، وذلك لأن الخلاف في شرعية متعة الحج قديم، وقد كان فيه خلاف بين أكابر الصحابة، حتى إن عمر رضي الله عنه مع أقدميته ومع فضله كان ينهى عن متعة الحج، وكان يأمر بالإفراد، فأطاعه أناس، وصاروا لا يعتمرون مع الحج، بل يقتصرون إذا سافروا على الحج فقط، ثم يسافرون للعمرة في أثناء السنة.
وسبب نهي عمر تأويل منه، وذلك لأنه خاف أن يبقى البيت معطلاً في زمن من الأزمنة، وقال: إذا رخصنا للناس أن يعتمروا مع حجهم فإنهم يكتفون بهذه العمرة، فلا يأتون إلى مكة في أثناء السنة، أما إذا نهيناهم وقلنا: لا تعتمروا، لا تمتعوا، اقتصروا على الحج وأدوا العمرة مرة أخرى فإنهم يؤدونها في بقية السنة، فيأتي أناس يعتمرون في شهر محرم، ويأتي آخرون في شهر صفر، ويأتي آخرون في رجب، ويأتي آخرون في ربيع أو جمادى أو شعبان أو رمضان، فيبقى البيت معموراً بالطائفين طوال السنة ولا يبقى معطلاً، هذا هو ما أراد عمر رضي الله عنه بنهيه عن التمتع الذي هو العمرة مع الحج، وهو اجتهاد منه.
وقد استدل بأن الله تعالى أمر بإتمام الحج والعمرة في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦] والإتمام معناه أن من شرع في الحج يتم الحج، ومن شرع في العمرة يتم العمرة، وظهر له أن الإنسان إذا توجه إلى مكة فإنه لابد أن يكون قاصداً أحد النسكين: إما الحج وإما العمرة، ولا يجمع بينهما، هذا هو الذي ظهر له.
ولا شك أنه اجتهاد منه، وكذلك تبعه على ذلك بعض الصحابة كـ عثمان وغيره، فكانوا ينهون -أيضاً- عن العمرة قبل الحج.
أما علي رضي الله عنه فكان يرى القران، وهو الإحرام بالحج والعمرة جميعاً، ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي بهما معاً، يقول: لبيك عمرة وحجاً.
ونقول: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه أنه تمتع، وروي عنه أنه أفرد، وروي عنه أنه قرن، والروايات كلها صحيحة، ففي حديث عائشة رضي الله عنها أخبرت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يريد الحج فليهل بالحج، ومن كان يريد العمرة فليهل بالعمرة) أي: أنه خيرهم، تقول عائشة: (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، وكنت فيمن أهل بالعمرة) هكذا ذكرت عائشة أنه أهل بالحج، وظاهره أنه أفرد.
وفي حديث علي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك عمرة وحجاً) ، وكذلك رواه جابر، ورواه أنس أنه لبى بالحج والعمرة جميعاً، وظاهر هذا أنه قرن.
وفي حديث ابن عمر أنه تمتع، يقول ابن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث الطويل: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة، فبدأ وأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج) ، وظاهره: أنه أهل بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج، ثم أهل بالحج، ولكن هذا دليل على أنه قرن، وأنه أدخل الحج على العمرة، وهذا جائز، أي: إدخال الحج على العمرة، وهو إدخال الأكبر على الأصغر، فالعمرة نسك أصغر، والحج نسك أكبر، فإذا أحرم بالعمرة وحدها جاز أن يدخل عليها الحج، وقد فعل ذلك ابن عمر رضي الله عنهما، فقد خرج مرة إلى الحج، فلما نزل الحجاج بمكة.
قيل له: إنه كائن بين الناس قتال.
فقال: إن حبسنا عن مكة تحللنا كما فعلنا بالحديبية.
فأهل أول ما أهل بالعمرة، ثم قال: ما شأنهما إلا واحد، أشهدكم أني أهللت بحجة مع عمرتي، واشترى هدياً وساقه.
وذكر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدي، بمعنى أنه اشترى هدياً وساقه معه إلى مكة، وكان ساق سبعين بدنة، وجاء علي من اليمن بثلاثين، فأصبحت مائة بدنة، فنحرها كلها يوم النحر.
فهذا معنى كونه تمتع، أنه جمع النسكين في عمل واحد، هذا هو التمتع الذي هو الانتفاع، فسماه ابن عمر تمتعاً مع أنه قران، أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها فأصبح قارناً.