للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده]

من الأبواب التي تذكر في كتب الفقه باب النفقة، ويذكرون أن الزوج يلزمه أن ينفق على زوجته، وأن ينفق على أولاده نفقة تكفيهم، وأنه مطالب بذلك؛ وذلك لأنه إنما يجمع المال ويكتسبه لأجل أن ينفق عليهم، فيطعمهم ويكسوهم، ويعطيهم ما يكفيهم، ويكنهم ويسكنهم، ويقضي لهم الحاجات، فكل ذلك متعلق بوالدهم، والمرأة متعلق حقها بزوجها؛ وذلك لأنه أخذها من أبويها، واستباح نكاحها، وحل له وطؤها، فأصبحت في حوزته، وفي حجره، وتحت إمرته، وتحت تصرفه، لا تقدر أن تتكسب إلا بإذنه، ولا تقدر أن تخرج من بيته إلا بإذنه، فأصبح لها حق عليه، وأصبحت هي تشتغل في بيته وتخدمه وتخدم ولده، وتربي له أولاده، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها ما يكفيها مقابل تمكينها له من الاستمتاع بها، ومن قضاء وطره، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها حقها، وهذا مجمع عليه.

وقد ذكر العلماء أن الناس ثلاثة أقسام: غني ومتوسط وفقير، وأن الغني ينفق على أهله من أفضل النفقة وأعلاها، النفقة المعتادة من البر ومن الأرز مثلاً، وكذلك من الأطعمة المعتادة من اللحوم ومن الفواكه وما أشبه ذلك على عادة أهل بلده، والتوسع في ذلك قد نهي عنه.

وأما المتوسط فإنه يقتصد في النفقة، فينفق من أوسط الطعام في البلد، فلا يتكلف شراء الغالي ورفيع الثمن، سواء من الطعام كالبر والأرز، أو من اللحوم، بل يأخذ من الوسط.

وأما الفقير فإنه يأخذ من أرخص الأطعمة؛ وذلك لفقره، ولأنه لو أنفق زيادة على ذلك لاحتاج إلى الاستدانة؛ ولذلك يؤمر بأن ينفق على أهله من أرخص الأطعمة، وألا يشتري الأشياء التي ليست ضرورية، بل يقتصر على الخبز مثلاً أو على الأرز دون أن يتكلف بشراء اللحوم، وبشراء الفواكه، وبشراء الخضار وما أشبه ذلك.

وهكذا أيضاً في الكسوة، فكسوة الغني الثري أن يشتري لأولاده ولزوجته كسوة في كل سنة مرة أو مرتين، وتكون من أرفع الأقمشة وأحسنها وأضمنها، والمتوسط من متوسطها، والفقير من أرخصها.

وهكذا في سائر الأمتعة التي يحتاج إليها، وهذا كله داخل في قوله: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) أي: لا تأخذ زيادة، فإذا كان هو من الأغنياء فالمعروف هو نفقة الأغنياء، وإذا كان من المتوسطين فالمعروف نفقة أمثاله من المتوسطين سواء في الغذاء أو في الكسوة أو في الفرش أو في الأواني أو ما أشبه ذلك.

وبهذا يعلم أن الشريعة تكلفت ببيان كل ما يحتاج إليه، فبينت أمور النفقة، وتدخل الفقهاء في أمور الناس، وذكروا كيفية إنفاق المنفق من كثير أو من قليل، ومع ذلك كله فإنهم نهوا عن الإسراف وعن الإفساد وعن التبذير الذي فيه إتلاف للمال في غير فائدة، ولو أثرى الإنسان وامتلك مئات الألوف أو ألوف الألوف فلا يجوز له أن يفسد الأموال لا في الأطعمة ولا في الأكسية ولا في الأواني ونحوها، بل يمسك المال ولا يسرف فيه ولا يفسده، ويصرفه في وجوهه التي يؤجر عليها، فإنه سوف يجد من يتقبله من الفقراء، وسوف يجد مشاريع خيرية ينفق فيها ويصرف فيها هذا الزائد الذي ليس بحاجة إليه، وبذلك يخرج من قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء:٥] ، ومن قوله: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧] .