أما صيام الدهر فقد ورد النهي عنه، ففي بعض الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قال:(لا صام من صام الدهر) ، وفي رواية:(لا صام من صام الدهر ولا أفطر) يعني أنه أشغل نفسه وأتعب نفسه، فلا صام صياماً يحصل له به الامتثال، ولا أفطر.
ومع ذلك فقد نُقل عن كثير من السلف أنهم يسردون الصيام، ولا يفطرون إلا يوم العيد أو أيام التشريق، ولا يفطرون إلا الأيام التي نهي عنها، فيسرد أحدهم الصوم، ومع ذلك يخفي نفسه ويخفي حالته، فلا يشعر به أحد حتى أهله، فكان بعضهم إذا أصبح أخذ رغيفين من خبز أهله وخرج بهما، فيظن أهله أنه أكلهما، ويظن أهل السوق أنه قد أكل في بيته، فإذا دخل السوق تصدق بهما على المساكين، فيتم صيامه ولا يشعر به أحد.
وعلى كل حال فهذا من باب الاجتهاد، وإن كان فيه شيء من التشديد على النفس، وفيه شيء من الضيق والضرر على النفس، وأما صيام يوم وإفطار يوم فإن فيه راحة النفس في نصف الأيام، وفيه تعويدها على هذا الصبر الذي هو صيام هذه الأيام الكثيرة، وفيه الاقتداء بنبي من أنبياء الله تعالى.