أما مسح الرأس فذكر أنه لابد من مسح الرأس كله، وفي هذا الحديث أنه أقبل بيديه وأدبر، والواو هاهنا لا تقتضي الترتيب، والصواب أنه أدبر وأقبل، أي: أنه بل يديه بالماء ثم بدأ بمقدم رأسه -وهو الناصية- ومر بيديه إلى قفاه، يعني إلى مؤخر الرأس، ثم رد يديه إلى المكان الذي بدأ منه، فمرت يداه على جميع رأسه.
ويؤخذ من صفة مسح الرأس في هذا الحديث ما يلي: أولاً: أنه لم يقتصر على بعض الرأس بل مسحه كله.
ثانياً: أنه لم يكمل المسح ثلاثاً بل مسحه مسحة واحدة واكتفى بها.
ثالثاً: أنه أمرَّ يديه على جميع الرأس.
فذلك دليل على تعميم الرأس، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يكفي مسح جزء يسير من الرأس حتى ولو كان شعرة واحدة، ولكن هذا في الحقيقة لا يسمى مسحاً، وذهب بعضهم إلى أنه يكفي مسح المقدمة التي هي الناصية، وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل لابد من تعميم مسح الرأس على ما في هذا الحديث، ولم يأت حديث يدل على الاقتصار على مسح بعض الرأس، إلا حديث المغيرة الذي فيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة والخفين) ، وهذا الحديث دل على أنه كان قد أخرج ناصيته، يعني مقدم رأسه، وكان على رأسه عمامة قد شدها، وأحكم شدها فمسح على الناصية وكمل المسح على العمامة ولم يقتصر على الناصية، فلا دلالة في هذا الحديث على الاقتصار على بعض الرأس.
والذين قالوا: إنه يجوز الاقتصار على مسح بعض الرأس، قالوا: إن الباء في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] للتبعيض، فقالوا: المعنى: امسحوا بعض رءوسكم، وهذا ليس بصحيح، بل الباء فيها للإلصاق، أي: ألصقوا المسح برءوسكم، هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية، فعرف بذلك أنه لا دليل يوجب الاقتصار على مسح بعض الرأس؛ بل الأصل مسح الرأس كله.
وهذا المسح لا يكرر وذلك لأنه تعبد، ولا يحصل منه تنظيف ولا تنشيط، وقد يكون على الرأس شعر فلم يشرع غسله للمشقة فاكتفي بمسحه لامتثال الأمر، ولإجراء الحكم بأداء هذه العبادة.