للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يستفاد من حديث سعد]

في قصة سعد رضي الله عنة أنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، خاف أن يموت بمكة فقال: (يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي) يعني: هل أموت في هذا المكان أو أشفى وأخلف؟ فقال: (إنك لن تخلف -يعني: تعافى- فتنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها) ، أية نفقة تنفقها على أهلك حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك أي: حتى ما تطعم زوجتك، فإذا ابتغيت بذلك وجه الله فلك أجر عند الله تعالى.

ويقول أيضاً في هذا الحديث: (ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون) ، واستجاب الله دعوة نبيه، فشفي سعد من هذا المرض، ورزق بعد ذلك بأولاد كثير، منهم مصعب وعامر وعمر وغيرهم.

وكذلك انتفع به أقوام، فقاد جيش القادسية الذي حصل به الوقعة العظيمة، وبقي إلى أن أدرك خلافة معاوية، فانتفع به أقوام، ورويت عنه أحاديث، وتضرر به آخرون من أعداء الله الذين قتلوا بسيفه وقتلوا بقيادته، فنفع الله به من أراد الله به خيراً.

ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، ولكن البائس سعد بن خولة.

يرثي له النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة) ، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم تركوا مكة لله، هاجروا منها لما أوذوا فيها، واستبدلوا بها دار هجرتهم وهي المدينة، وكانوا يكرهون أن يموتوا في مكة التي انتقلوا عنها، فـ سعد يكره أن يموت بها؛ لأنه قد تركها لله، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم) أي: لا تردهم إلى بلادهم التي تركوها لله، بل اشفهم وامض لهم هجرتهم، أما سعد بن خولة رضي الله عنه فإنه مرض في مكة ومات بها، مع كونه قد هاجر منها، فرثى له النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل له، وسماه بائساً مع أنه معذور في ذلك؛ لأنه جاء مكة لأجل الحج فأصابه مرض فمات بها.

وبكل حال، الشاهد من هذا الحديث هو: ذكر الوصية التي اشتمل عليها هذا الحديث، وهو: أنه يستحب للإنسان أن يوصي من ماله، فيقال: إذا كان المال كثيراً، وسوف يترك للورثة ما يكفيهم ويغنيهم، جاز أن يتصدق منه بعد موته بثلثه أو بأكثر إذا لم يضر الورثة، ووافق الورثة على ما زاد عن الثلث، أما الثلث فلا خيار لهم فيه، بل يخرجه إذا أراد ولو كره الورثة، وعليهم أن ينفذوه، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم صدقة من الميت على نفسه رحمة من الله تعالى ورخصة له، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) أي: زيادة في حسناتكم أن تخرجوا هذا الثلث، ويكون صدقة منكم على أنفسكم، تجدون ثوابها، ولا تجوز الزيادة على الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدده بقوله: (الثلث والثلث كثير) .