يستدلون بهذا الحديث على المزارعة والمغارسة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، دخلها بالقوة وفتحها عنوة، وملكها بهذا الفتح، إلا حصناً أو حصنين فإنه دخلهما بالصلح، أما بقية أماكن خيبر فإنه فتحها بالقوة.
ومعلوم أنه إذا فتحها بالقوة أصبحت للمسلمين، أرضها وأشجارها ومنازلها وبقاعها، لأن المسلمين تغلبوا عليها، وبتغلبهم عليها ملكوها، فلما ملكوها كان فيها قطع زراعية وأراض واسعة، فتلك القطع قسمها بين الغزاة الذين فتحوها معه، فأعطاهم سهاماً بقدرها، وذلك لسعة الأرض، فجعل هذه البقعة لواحد، وهذه لاثنين ونحو ذلك، وبقيت المزارع والأشجار والنخيل فكانت تحتاج إلى من يحرثها، ومن يزرعها، ومن ينتجها ويعمل فيها حتى تنتج، وكان الصحابة رضوان الله عنهم منشغلين عنها بالجهاد وغيره من الأعمال والتجارات، ولم يكونوا ليتفرغوا للعمل في هذا النخيل ونحوه.
وعند ذلك اتفق مع أهلها الذين هم اليهود على أن يبقوا فيها، فقالوا: دعنا لنعمل فيها ولكم نصف الثمر ولنا نصفها، فتركهم فيها عمالاً، أي: عاملين بأجرة، وبقوا على ذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه.
وفي أثناء خلافة عمر حدث منهم ضرر على بعض أولاده، ذلك أنه أتي أحد أولاده وهو مسافر، أتاه قومٌ في الليل، فضربوه حتى فتوا في عضده أو أعابوه وهربوا، ولم يدر من هم؟ فعرف عمر أنه ليس لنا عدوٌ إلا هؤلاء اليهود، فعند ذلك أجلاهم، وطردهم إلى أذرعات الشام وقال: لا حق لكم! فقالوا: أتطردنا من مكانٍ أقرنا فيه محمد وصاحبك، الذي هو أبو بكر، فاستدل عمر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم:(نقركم فيها ما شئنا) ، وبأنه لم يقرهم إلا لحاجة، وذلك لما كان بالمسلمين قلة عن القيام بهذا الحرث ونحو ذلك، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه كان في المسلمين كثرة، وكان عندهم قوة وقدرة أن يعملوا في هذه المزارع وفي هذه الأشجار، وأصبحت ملكاً للمسلمين، فعند ذلك طردهم.