[الحكمة من جعل صلاة النهار سرية وصلاة الليل جهرية]
وعلى كل حال حيث إن الصلاة سرية فإن للإمام أن يقرأ ما يشاء، فيقرأ سورة أو بعض سورة أو بعضاً من سورة من وسط سورة أو ما أشبه ذلك، والأمر فيه سعة؛ وذلك أن هذه الصلاة شرعت سرية ليكون كل إنسان يناجي ربه، ويقرأ القرآن لنفسه، ويقبل على قراءته ويتأمل ويتعقل فيها.
أما النهار فإن الأشغال فيه كثيرة، والحرف والأعمال قائمة، فالقلب منشغل، فلو كان هناك قراءة جهرية لكان الناس غالباً يسهون ويغفلون، فلا ينصتون لقراءة الإمام ولا يستفيدون، فإذا قرأ الإنسان بنفسه كان ذلك أدعى إلى أن يتأمل ويتعقل ما يقوله وما يقرؤه، ويستفيد من قراءته.
أما الليل فشرعت والقراءة فيها جهراً؛ ولعل ذلك لأن الليل تنقطع فيه الشواغل غالباً، فحينئذٍ بكون القلب متفرغاً، فيسمع القراءة ويستفيد، ليسمع قراءة الإمام للفاتحة وقراءة السور ويتعقلها ويعرضها على قلبه، ويستفيد منها، ويتعلم ما كان يجهله عندما يسمع القراءة مرة بعد مرة، ويسمع سورة مراراً يحفظها، ويتزود من حفظ ما كان لا يحفظه، فيكون ذلك سبباً في التلقي والحفظ، فهذا هو سبب كون هذه سرية وهذه جهرية.
والقراءة الجهرية معروف أنها الأولتين من المغرب والأولتين من العشاء وكذلك صلاة الصبح، وكذلك الصلوات العابرة كصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، فهذه كلها جهرية؛ ولعل السبب في ذلك أنها عابرة وأن الجمع فيها كثير فشرع الجهر بها حتى يسمع القرآن، ويستفيد منه من لم يكن قد استمعه.
والجمعة تجمع خلقاً كثيراً، وقد يكون منهم من لم يسمع القراءة كما ينبغي، ولا يسمع إلا قراءة سورة قصيرة أو يسمعها محرفة، فإذا سمع يوم الجمعة استفاد مما يسمع، وهكذا في الصلوات الأخرى.