كذلك موضع الرمي وموقفه إذا أراد أن يرمي دل عليه حديث ابن مسعود، فلما أراد أن يرمي جمرة العقبة قابلها، واستقبل جهة الشمال وجعل مكة أو البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وقال:(هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت جمرة العقبة في أصل جبل صغير مبنية في أصله، ولا يتمكن أحد أن يرميها إلا من الجانب الجنوبي أو من الغربي قليلاً والشرقي، أما الجانب الشمالي فإنه مرتفع رأس جبل عقبة، فلذلك سميت جمرة العقبة، وقد أزيلت تلك العقبة في عهد الملك سعود في سنة خمس وسبعين من القرن الرابع عشر بعد أن أفتى بذلك المشايخ في ذلك الوقت، ورأوا أنها في الطريق -متوسطة في الطريق-، فأزالوها لتوسعة الطريق، وبقيت الجمرة بارزة كما هي الآن، ويمكن أن ترمى من الجهات كلها، لكن لما لم يكن في الجهة الشمالية حوض لم يُجوز الرمي منه؛ لأنه في الأصل ما كانت ترمى من الجهة الشمالية؛ لأنها في أصل جبل كما ذكرنا، فلذلك نقول: لا يجوز رميها إلا في الحوض، أو في الجهات التي فيها حوض، من الجهات الغربية جانب الحوض، وكذا الشرقية جانب الحوض، والجنوبية وسط الحوض، وهذا هو الأفضل، أن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويتوسط الحوض.
وفي هذه الأزمنة قد بني فوقها سطح وجعل فيه أيضاً مرمى، فترمى من الأعلى وترمى من الأرض، فالذي يرميها من فوق يرميها من كل الجهات، وذلك لأن الحصيات تسقط في الحوض ولابد، فقد رفع الشاخص إلى أن برز للرامين، فيرمونه وتسقط الحصيات في الحوض، والمطلوب أن كل حصاة إما أن تصيب الشاخص وإما أن تصيب الحوض وتقع فيه ولو تدحرجت وسقطت على الأرض، ولو ضربت الشاخص مثلاً وقفزت وسقطت على الأرض اكتفي بذلك، ولا نطيل في الكلام على هذه الجمرات ونحوها.
فهذه الأحاديث تتعلق بشيءً من صفات الحج ومن أعمال الحجاج، ومعلوم أن صفة الحج مأخوذة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سنته، وأنه هو الذي بين للأمة هذه المناسك، وقال:(خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعدها أبدا) ، وأنه صلى الله عليه وسلم بين للناس كيف يرمون الجمرات في أيام الجمرات، وكذلك في أوقاتها، وبين بأفعاله وبأقواله جميع المناسك، فأصبحت واضحة المعالم والحمد لله.