أخذ العلماء من هذه الواقعة ومن هذه الآيات أحكاماً ومنها: أن هذه الفاحشة لا يصبر عليها ولا يقرها في أهله إلا الديوث الذي يقر الخنا في أهله، فهذان اثنان من الصحابة هلال وعويمر، كل منها صبر على فراق زوجته وادعى أنها زانية ولاعنها ولم يقرها أن تبقى معه وهو يعلم أنها قد فجرت، ولو مرة واحدة، وذلك دليل على حماستهم وغيرتهم على نسائهم، لا يرضى أحدهم أن يشاركه في امرأته شخص أجنبي يفسد عليه فراشه، ويدخل عليه من الأولاد ما ليس له، ولا يرضى أن امرأته تخونه فتدخل في بيته من لا يرضاه، وتجلس على فراشه غيره، وتمكن من نفسها غير زوجها، فإن ذلك حرام، وفعلها يعتبر خيانة لزوجها، وإقرار الزوج على ذلك يعتبر دياثة وإقراراً للإثم والحرام، ولم يكن الصحابة يقرون شيئاً من ذلك.
وهكذا أيضاً كل غيور، وكل من عنده حماسة وغيرة على محارمه لا يقر الخنا في أهله، بل متى رأى من امرأته شيئاً من الخيانة أدبها ولو بالإشارة أو نحو ذلك، وإذا لم يستطع أن يقيمها لم يمسكها، بل صبر على فراقها ولو كان معها أولاده، يصبر على فراقها ولو قد خسر عليها مالاً كبيراً، وكذلك يحرص على أن تبرأ ساحته، حتى لا يقال: إنه ظلمها، وإنه كذب عليها؛ فلأجل ذلك يحضر الغيور الذي يغار على محارمه عند القاضي، ويحضر امرأته، ويحضر معه من يشهد عليها ويعرف أنها فلانة امرأة هذا الرجل، فعند ذلك يأمره القاضي بهذا الأمر الذي هو التلاعن.
والقرائن غالباً تكون في جانب الرجل، فهو أولى أن يكون صادقاً؛ وذلك لأنه في الغالب لا يصبر على فراق امرأته، ولا على فراق أولاده، ولا على ذهاب ماله الذي دفعه إلا وقد رأى شيئاً يسوءه، ورأى ما لا صبر له عليه من هذه الخيانة الشنيعة البشعة، فعند ذلك يقدم على قذفها ورميها؛ حتى تبرأ ساحته، وحتى يظهر عيبها وشناعتها، ويظهر خيانتها، ويعرف الناس أنها متهمة فلا يقبلها من هو ذو غيرة، وذو أنفة على نفسه؛ فإذا افتضحت هذه المرأة بأنها قد لاعنت وطلقت، وأن زوجها ليس بمتهم، وأن التهمة أقرب إليها؛ كان ذلك أقرب إلى ألا تفعل شيئاً يسوءها ولا يسوء زوجها.
وفي هذه الأزمنة كثير من الرجال يأتون إلينا ويشتكون ما يرونه من نسائهم أو يسمعون أو يطلعون على أسرار أو على خفايا أو على قرائن أو نحو ذلك، ولعلكم قد سمعتم أكثر مما سمعنا، فنشير عليه بأن يفارقها سراً إذا تحقق أنها قد اتخذت أخداناً، وأنها قد خانته في نفسها وفي فراشه، فنشير عليه أن يفارقها وألا يكشف سترها وسرها، ولكن يخبرها فيما بينه وبينها حتى يكون ذلك عذراً له عندها، فيخبرها بأنه قد اطلع على كذا وكذا، وكثير من الرجال يطلعون على شيء كثير، وفي الأخص في الزمن الأخير بسبب وجود المكالمات الهاتفية، فيسجل عليها مكالمات بينها وبين بعض أخدانها، ويجد أنها قد خرجت معهم، أو أنها قد أدخلتهم في غيبته، وهذه الأشرطة تشهد بكلامها معهم، وبما قد يحصل من ترقيق الكلام، وما أشبه ذلك مما يدل على بشاعة ما حصل منها أو تهمتها في ذلك، أو قد يجد أنها أدخلت في اليوم الفلاني شخصاً أو خرج من عندها من هو متهم، أو نحو ذلك، ولكن ليس عنده يقين، ما رأى بعيني رأسه فعلها للفاحشة ولكن رأى هذه المقدمات، ولا يستطيع أن يقذفها بمجرد هذه المقدمات، ففي هذه الحال يخبرها سراً، ويفارقها ولا يمسكها وهي على هذه الحالة حتى يسلم عرضه، وحتى يسلم نسبه، ولا يدخل في نسبه ولا في أولاده من ليس من أهله، وبذلك يستر نفسه ويستر امرأته، ولا يعرض نفسه للحلف أو للعن أو للشهادات أو ما أشبه ذلك.
أما إذا رأى بعينه وسمع بأذنه، رأى الفاحشة بأن وجد عليها رجلاً أجنبياً، فنقول له في هذه الحال: يحقق هذا الباب الذي هو اللعان، فيرميها، ويحضر معها عند الحاكم كما فعل هذان الصحابيان هلال وعويمر، ويأمره القاضي بأن يشهد هذه الشهادات، ثم بعد ذلك يكون ذلك فضيحة لها وتشهيراً لها حتى يتوب أمثالها من النساء اللاتي فيهن ميل إلى المخادنة وخيانة أزواجهن، ويعرفن أن هذه الفضيحة كما أتت عليها قد تأتي على إحداهن أو على جميعهن، فيقل بذلك الشر وينتشر الخير.