للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حل الصيد]

السؤال الثاني عن الصيد، فذكر أن الصيد يكون بالرمي، ويكون بالكلب، والكلب قد يكون معلماً وقد يكون غير معلم، ويلحق بالكلب الجوارح التي ذكرها الله تعالى في القرآن: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ} [المائدة:٤] فالطيور المعلمة تسمى جوارح؛ لأنها تجرح الصيد إذا صادته، فأباح الله تعالى صيد الطيور المعلمة، وأباح أيضاً صيد الكلاب المعلمة، فقوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة:٤] يعني: متخذين هذه الكلاب تعلمونهن مما علمكم الله.

إذاً: الصيد بالكلب المعلم حلال، بشرط أن يكون معلماً، ومتى يكون معلَّماً؟ المعلَّم هو الذي إذا أرسل استرسل، وإذا زجر انزجر، وإذا أمسك لم يأكل، هذا حد المعلم.

علم الله أن الإنسان قد يحتاج إلى الاصطياد من هذه الدواب المباحة المنتشرة في الأرض، وهذه الدواب منها ما هو حلال، ومنها ما هو حرام، وللحرام علامات يعرف بها، ويتميز بها الحلال من الحرام، فمنها ما يكون بالغذاء، ومنها ما يكون بوصف اتصف به، والدواب المباحة قد سبق ذكر بعضها، فتقدم أن الضب أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من الصيد، وذكر أن الصحابة أنفجوا أرنباً، وأمسكها أنس وذبحها أبو طلحة، وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله، فدل على أنها من الصيد، وتقدم في الحج ذكر حمار الوحش، وأنه من الصيد، وهو دابة أكبر من الوعل أو قريب منه، أو هو نوع من الوعول، فهو من الصيد، وكذا الظباء، والوعول، والإيل، والأروى، هذه كلها من أنواع الصيد، ومن أنواع الصيد المتوحش ما يعيش في البراري كالوبر واليربوع، وما يلحق به، فهذه من أنواع الصيود التي تعيش في البراري، وتتقوت من القوت الحلال، فترعى من الرعي الذي ينبت في الأرض، وتشرب إذا وردت ماء أو تعيش بدون ماء.

كذلك أيضاً أباح الله الكثير من الطيور المباحة، فالحمام بأنواعه من الطيور الحلال، وكذلك الحجل من الطيور المباحة، وهكذا الحبارى من الطيور المباحة؛ وذلك لأن قوتها وغذاءها حلال من الطيب، وأما الأشياء المستقذرة فإنها محرمة، حرم النبي صلى الله عليه وسلم (كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير) ، فحرم ذوات المخالب، فالصقر ولو كان مما يعلم فإنه حرام لأنه ذو مخلب، وكذلك العقاب، والغراب، والباشق، والعقاب، والرخم، والنسور التي تأكل الجيف والقاذورات، فهذه ليست من الصيد، بل هي من المحرمات؛ لأنها تتغذى بالجيف وتأكلها وتأكل الأقذار، بخلاف الصيد الذي يتغذى بالأعشاب، أو الطيور التي تتغذى بالحبوب وبالأعشاب كالحمام ونحوها فهذه من الطيبات.

فعرفنا بذلك الفرق بين ما هو حلال من الطيور وما هو حرام، وكذلك الوحوش، فذوات الأنياب حرام كالذئب والنمر والأسد والدب وما أشبهه، وأيضاً ما يأكل الجيف كالكلاب بأنواعها، فهذه كلها محرم أكلها ولو كانت أليفة، فليست من الصيد الذي أباحه الله في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢] ، وفي قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:٩٦] ، وفي قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:٤] ، وإنما المراد ما أمسكت من الصيد الحلال، فهذا الصيد يقتنصه المقتنصون؛ لأنه طعام لذيذ ولحم شهي كسائر اللحوم، والله تعالى أباح اللحوم الطيبة، فأباح بهيمة الأنعام، أباح لحم الإبل والبقر والغنم بأنواعها، وتقدم أن لحم الخيل أيضاً مباح؛ لأنه من الطيبات، وكذلك لحوم الأسماك ودواب البحر لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة:٩٦] ، وتقدم أيضاً إباحة أكل الجراد، وهو من اللحوم المباحة وإن تقذره بعض من لم يألفه.

وهذه الصيود جعل الله لها ما تتحصن به، فمنها ما يتحصن عن الاصطياد بجناحيه فيطير حتى يحرز نفسه وينجو بنفسه عن أن يدركه من يطلبه، فالحمام وما أشبهه من الحجلات والعصافير بأنواعها تتحصن وتتحرز بأجنحتها بأن تطير حتى تؤمن نفسها، والظباء ونحوها جعل الله لها حصناً بشدة السعي، فهي تسعى سعياً شديداً حتى لا يدركها الإنسان ولا يدركها إلا جارح قوي سابق من الكلاب ونحوها، ولاشك أن هذه كلها جعل الله لها سلاحاً تتوقى به حتى تحصن نفسها، ولكن إذا غلبها الإنسان بأن اصطادها بشبكة أو اصطادها بجارح أو اصطادها بسهم رماها به؛ فهي من الطيبات التي أحلها الله، وجعل أكلها من نعمه التي أنعم بها على عباده، فيأكلها المصطاد سواء أكل تفكه وتلذذ وتنعم وإن لم يكن جائعاً، وإن كان اللحم موجوداً، أو أكل غذاء، فهناك من ليس لهم كسب وليس لهم غذاء إلا الاصطياد، ليس لهم حرفة ولا صنعة، وليس لهم مورد إلا أن يصطادوا، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام صياداً، ما كان له حرفة إلا أنه يذهب فيصيد بالنبل، يعني: يرمي السهام فيصيد من الطيور المباحة ومن الوحوش المباحة ونحوها، فيكون ذلك غذاء له ولأولاده، ونسمع أن كثيراً من الناس ما كان لهم غذاء إلا ما يصطادونه مما أباحه الله تعالى من هذه الصيود التي امتن الله بإحلالها في قوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} [المائدة:٤] .