[تعريف الوقف]
هذا الحديث يتعلق بالوقف، والوقف هو: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ويكون في كل عينٍ ينتفع بها مع بقاء عينها، وهو من أفضل القربات.
في هذا الحديث أن عمر رضي الله عنه ملك هذه الأرض وأعجبته؛ لكونها ذات غلة وذات منفعة، وأحب أن يقدمها لآخرته، فأشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بها، ولكن صدقة لا تباع ولا تبدل ولا تنقل، بل ينتفع بها مع بقاء عينها، ولا تجري فيها سهام المواريث، ولا يتصرف فيها المالك تصرفه في ملكه المطلق، بل ينتفع بها مع بقاء أصلها ويتصدق بغلتها.
وهذا هو شأن الوقف: أن يجعل غلته في كل شيء ينفع في الآخرة، فتصدق بها على الفقراء والمستضعفين؛ لأنهم مستحقون وفيهم الأجر، لسد حاجتهم، وكذلك المساكين، وهم أخف حاجة من الفقراء، الفقراء: هم الذين يكون دخلهم أقل من نصف حاجتهم، والمساكين يكون دخلهم أكثر من النصف ودون الكل، والجميع يحتاجون إلى تمام الكفاية.
كذلك ابن السبيل، وهو المسافر المنقطع الذي لا يجد ما يوصله إلى بلده، ولو كان له في بلده مال، لكن سافر وطال سفره، فنفذ ما معه أو سرقت نفقته، أو طال سفره ولم يكن يظن أنه يطول، أو ظن أنه يجد ما يرجع به إلى أهله فلم يجد، فأصبح منقطعاً، ويقال له: ابن السبيل؛ لأن السبيل هي الطريق، فكأنه لملازمته لها ابن لها.
وكذلك الضيف الذي ينزل على أهل القرية له حق الإكرام، بأن يقروه جائزته يومه وليلته.
وهكذا أيضاً الوجوه العامة الخيرية يصرف فيها الوقف، فهذا مصرف وقف عمر جعله في هؤلاء.
وأعطى الأقارب من الفقراء والمساكين؛ لأن لهم زيادة حق، والصدقة عليهم صدقة وصلة، ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي القربى اثنتان صدقةٌ وصلة) ؛ فلذلك جعل عمر فيها حقاً لذوي القربى.
هذا هو الوقف، يكون في غلة الشيء الذي يمكن استغلاله مع بقاء عينه، فإذا كان الوقف أرضاً تغل، أي: تزرع مثلاً، ويحصل من زرعها ما يزيد على نفقتها، فهذا الزائد هو الذي يصرف للفقراء والأقارب والمعوزين.
وإذا كان فيها شجر؛ كنخل وعنبٍ ورمان وتينٍ، وما أشبهه مما له ثمرٌ ينتفع به فيؤكل أو يباع أو نحو ذلك؛ فثمرته تصرف -إما بعد بيعها وإما قبله- للمعوزين وللمحتاجين، ويكون لصاحبها الذي أوقفها أجرٌ بقدر ما انتفع بها.
وإذا كان الوقف -مثلاً- داراً جعلها مسكناً للمستضعفين أو غيرهم، صدقة على أنها وقف، فقد ثبت أن الزبير رضي الله عنه أوقف داراً وجعلها للمردودة من بناته، أي: المطلقة من بناته تسكن في هذه الدار، ولا تورث ولا تباع.
إذا جعل الإنسان داراً موقوفةً للمحتاج من أولاده أو أولاد أولاده، فهذا أيضاً من الوقف الذي ينتفع به مع بقاء عينه.