[شرح حديث:(نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)]
الحديثان الآتيان يتعلقان بأوقات النهي الأول:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع) ، وفي الحديث الآخر:(لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس) وذكر أنه روي عن جملة من الصحابة، وعد منهم كما سمعنا أربعة عشر صحابياً، ومنهم أحد التابعين وهو الصنابحي، ومنهم الاثنان اللذان رويا الحديث فيكونون ستة عشر.
هذه الأحاديث وإن لم تكن في الصحيح ولكنها مروية، وكثير منها ثابت ومروي بأسنايد، وقد ذكر بعضهم أنها جاءت عن أربعة وعشرين صحابياً، كلهم رووا هذه الأحاديث التي فيها النهي عن الصلاة في هذين الوقتين، وابن عباس كما سمعنا نقله عن رجال لا عن رجل قال:(حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر) ، وعمر رضي الله عنه هو أحد الخلفاء الراشدين، فهو أوثقهم وأشهرهم فلا جرم، فذكر أنه من جملة من روى حديث النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
والمراد بالصلاة هنا: الصلاة المطلقة التي هي تطوع، ولعل الحكمة في ذلك أن هذا وقت يصلي فيه المشركون، أو أن المصلي عندما يصلي قد يستقبل الشمس عند طلوعها، أو يستقبلها عند غروبها، فيتشبه بمن يصلي لها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على المنافقين تأخير صلاة العصر في قوله في صفة المنافق:(تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا صارت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) وذكر أن الشمس تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها المشركون، فإذا كانت تشرق وتغرب بين قرني شيطان فإن الصلاة قد تكون مشابهة لمن يسجد لها من المشركين أو لمن يعبد الشياطين ويعظم الشياطين، والصلاة يجب أن تكون لله تعالى، والمصلي يسجد لربه لا لغير الله.
وهذه الأوقات ذكروا أن فيها ما هو موسع، وفيها ما هو مضيق، فالوقت الموسع هو بعد العصر إلى أن يبقى على غروب الشمس نحو ثلث ساعة أو نصف ساعة، وما بعد ذلك فهو المضيق.
وكذلك بعد الفجر موسع إلى أن تبدأ الشمس في الطلوع فيكون ذلك مضيقاً حتى ترتفع بعد إشراقها بربع ساعة أو نحو ذلك، فذلك المضيق، وهناك وقت ثالث من المضيقات وهو إذا استقلت الشمس ووقفت، وهو حين يقوم قائم الظهيرة، وقد ثبت في حديث عقبة أنه قال:(ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وحين تتضيف للغروب، وحين يقوم قائم الظهيرة) ، فهذه ثلاثة أوقات أكد فيها النهي، ودل على أن الوقتين الآخرين وقتان موسعان.
وقد ذكر العلماء أنه يجوز في الأوقات الموسعة بعض الصلوات، فيجوز فيها قضاء الفوائت، فإذا ذكر صلاة نسيها فإنه يصليها في هذه الأوقات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) ، فإذا نام عن صلاة الفجر واستيقظ عند الطلوع أو قرب الطلوع صلى ساعة ما يستيقظ، وإذا نام عن صلاة العصر واستيقظ قرب الغروب صلاها ساعة ما يستيقظ؛ وذلك لأنه لم يصل، وكذلك لو تذكر مثلاً صلاة فائتة، كأن تذكر بعد العصر أن عليه صلاة ظهر أو صلاة عشاء، فليصليها ساعة ما يتذكرها ولو بعد العصر ولو بعد الفجر.
أما صلاة الجنائز فتصلى في الوقتين الموسعين بعد العصر حتى يقرب الغروب وبعد الفجر حتى يقرب الشروق.
أما سجود التلاوة فاختلف هل هو صلاة أم لا؟ وإذا قلنا إنه صلاة فإنه يجوز فعله في أوقات النهي لأنه من ذوات الأسباب، إذاً: يجوز فيها كلها.