معلوم أن الأب له قرابة والابن له قرابة، لكن قرابة الابن أقوى؛ وذلك لأن الغالب أن الجامع الذي يجمع المال يحرص على أن يورثه لأولاده، وقد ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم:(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فإذا كان للميت ابن وأب، فالأب يعتبر صاحب فرض وهو السدس، والبقية نعطيها للابن فهو أولى رجل ذكر، يعني: أقرب الورثة، ولا يقال: إن الأب أحق منه؛ لأن الله جعل للأب فرضاً ولم يجعل للابن فرضاً، بل جعل الابن يأخذ المال كله، أو يأخذ ما بقي من المال بعد أهل الفروض، أما إذا لم يكن هناك ابن فإن الأب يكون أقوى وأولى من غيره، فإذا كان هناك مثلاً زوجة وأب، فإن الزوجة تأخذ الربع فرضاً والأب يأخذ الباقي فهو أولى رجل ذكر.
كذلك إذا لم يكن عندنا ابن ولا أب، فأقرب الأقارب هم إخوة الميت، فننظر أقواهم فنعلم أن الأخ من الأبوين أقوى من الأخ من الأب، فإذا كان عندنا جدة وأخ شقيق وأخ من الأب أعطينا الجدة سدسها والباقي أعطيناه الشقيق؛ لأنه أقوى حيث يدلي جهتين: جهة الأبوة وجهة الأمومة، ونسقط الأخ من الأب لقوة الأخ الشقيق، فإذا لم يكن عندنا أخ شقيق فالأخ من الأب أقوى من العمومة وأقوى من بني الإخوة ونحوهم، فإذا لم يكن عندنا إخوة ولا بنوهم فلا شك أن العم الذي هو أخو الأب ينزل منزلة الأخ أو ينزل منزلة الأقرب فيعطى بقية المال، أو يعطى المال كله إذا لم يكن هناك ذوو فرض.
وهكذا فيقدم الابن ثم يقدم الأب ثم يقدم الأخ الشقيق ثم الأخ من الأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم الأخ من الأب ثم بعد ذلك ابن العم الشقيق ثم ابن العم من الأب، ثم ينقل إلى عم الأب ثم عم الجد وما تفرع عنهما، هذا معنى قوله:(فلأولى رجل ذكر) .
وهذا العلم الذي هو علم الفرائض هو من أهم العلوم، ويحتاج في تعلمه إلى معرفة قواعد ومعرفة تطبيقات ومعرفة أمثلة، ولأجل ذلك اهتم به العلماء المتقدمون والمتأخرون، وألفوا فيه مؤلفات خاصة لا يمكن أن تذكر في مثل هذه الحلقات العامة.
لا بد أن تبدأ من أوائله وقواعده وشروطه ونحوها، تبدأ من أوله، فالذي يريد معرفته عليه أن يأخذ فكرة عن كيفية ابتدائه وكيفية تطبيقه، والشروط التي تشترط له، ولكن كتب الفقه والأحكام اقتصرت في علم الفرائض على مهمات المسائل.