[شرط التزوج بالمبتوتة]
اشترط في هذا الزوج الثاني أن ينكحها نكاح رغبة، بمعنى: أن يتزوجها على أنها زوجة له يحبها ويحب المقام معها، وهي كذلك تحبه وتريده كزوج وكعشير لها في حياتها، هذا هو الأصل، أنه لابد أن يكون الزوج الثاني نكاحه نكاح رغبة لا نكاح تحليل للزوج الأول، وذلك لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المحلل والمحلل له) .
وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التحليل، ووصف المحلل بالتيس المستعار، أي أنه شبيه بالتيس الذي هو ذكر المعز، بمعنى أن الزوج الأول يستعيره ويدخله على زوجته ويجامعها ثم يفارقها، فأصبح كأنه تيس مستعار، هذا هو المحلل الذي ينكحها حتى يحللها للزوج الذي طلقها، يبيت معها ليلة أو ليلتين ثم يطلقها ولا رغبة له فيها.
إذاً فهذا هو الذي نهي عنه، ولا يجوز سواءٌ من الزوج أو من الزوجة أو من المطلق، فإذا طلقت امرأة وحرمت عليك بأن بتت طلاقها -أي: طلقتها آخر ثلاث طلقات- وعرفت أنها لا تحل لك إلا بعد زوج فلا يجوز لك أن تقول: يا زيد! تزوجها واجلس معها ليلة ثم فارقها.
كأنه أجير، وربما تدفع له أجرة حتى يحللها لك، فأنت -أيها الزوج المطلق- تدخل في هذا الوعيد؛ وحيث إنه قبل كلامك وتزوجها بهذا الشرط يدخل في هذا الوعيد.
وذكروا واقعة في عهد عمر بن الخطاب، وهي (أن رجلاً من أكابر قريش طلق امرأته ثم ندم عليها بعدما طلقها ثلاثاً، وفكر كيف ترجع إليه، وكانت هي أيضاً تريده، ولكن لا حيلة لها ولا حيلة له، فجاؤوا إلى رجل أعرابي فقير لا يملك إلا طمرين -أي: ثوبين خلقين- فقالوا له: ها هنا امرأة تريد زوجاً وتناسبك.
فعند ذلك تزوجها، ولما تزوجها رغبة منه أرادوا أن يفرقوا بينه وبينها، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقال: لا تطلقها.
إن طلقتها أوجعت ظهرك ولو ضربوك ولو قالوا لك أو قالوا لك.
وانظر إلى غيرة وحماسة عمر رضي الله عنه!! نقول: كذلك يستحق المحلل من يوجع ظهره كما هم بذلك عمر رضي الله عنه، وكذلك يستحقه المحلل له والزوجة إذا كانت متفقة مع الزوج على هذا التحليل.
والشاهد أن تميمة بنت وهب تزوجت بعد زوجها رفاعة زوجاً آخر وهو عبد الرحمن بن الزبير، وذكرت أنه لا يصيبها، ورمته بأنه عنين، أي أنه لا يقدر على أن يأتي النساء، وإنما ما معه مثل هدبة الثوب، ولكن في بعض الروايات أنه كذبها، وذكر أنه يصيبها.
والحاصل أنها لما قالت: إنه لم يصبها لم يأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع إلى رفاعة حتى يطأها الزوج الثاني ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، وبذلك فسر قول الله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] أن النكاح ليس هو مجرد العقد، بل هو الدخول والإصابة، فإذا طلقها بعد العقد قبل أن يدخل بها لم تحل للزوج الأول، أي: لابد أن يدخل بها ويذوق كل منهما عسيلة الآخر، بمعنى لذة الجماع، أي: أنه يطؤها الوطء الكامل.
فهذا هو النكاح الذي تحل به إذا كان عن قصد وعن رغبة لا عن تدليس وتحليل وشبهة، هذا هو ما يدل عليه هذا الحديث.