يصح السلم في الثمار كالزبيب والتمر، ولو لم يكن المشتري صاحب نخل، فيقول: أنا بحاجة إلى دراهم لأقضي بها حاجتي، فأبيعك مائة صاع من التمر أو من الزبيب كل صاع بريال وأعطني النقود الآن، وإذا مضت سنة أعطيتك الزبيب أو التمر أو نحو ذلك، فيكون هذا قضاءً لحاجته، فإذا حل الأجل ذهب واشترى لك ما التزمه في ذمته، فإن كان له ثمر أعطاك منه، وإلا اشترى لك من الأسواق وقضاك.
ويصح أيضاً في الثياب أو ما يباع ذرعاً، فيصح أن تشتري منه مائة ثوب مؤجلة يعطيكها بعد سنة كل ثوب بخمسة، مع أن قيمتها الآن كل ثوب بعشرة، ولكن هو بحاجة إلى الدراهم لينتفع بها، وأنت لست بحاجة إلى هذه الدراهم، وتريد أن تربح فيها، فبعد سنة يعطيك مائة ثوب تبيعها مثلاً بألفين أو بألف، ولا شك أن هذا فيه مصلحة للاثنين.
كذلك أيضاً يصح السلم في اللحوم ويصح في الخبز، فيصح -مثلاً- أن تعطي الخباز مائة ريال أو مائتين على أن يبيعك كل ستة أرغفة بريال، إذا كان هو بحاجة إلى الدراهم، وأنت لست بحاجة إليها، فتتفقان على أن يبيعك كل ستة أرغفة بريال، ففي كل يوم يعطيك ستة إلى أن تنقضي مائة يوم.
فأنت ربحت حيث حصل لك ستة أرغفة بدل أربعة، وهو ربح حيث انتفع بهذه الدراهم واشترى بها دقيقاً، أو اشترى بها حوائج أو نحو ذلك.
وكذلك صاحب اللحم، فإذا كان اللحم يباع الكيلو منه -مثلاً- بعشرة، وكان صاحب اللحم بحاجة إلى دراهم فقلت له: أنا أشتري في ذمتك -مثلاً- خمسمائة كيلو من اللحم الذي صفته كذا وكذا، الكيلو بسبعة أو بستة، أسلمها لك الآن، وتعطيني كل يوم كيلوين أو ثلاثة من اللحم، وثمنها مقدم لك.
فتأخذها كل يوم إلى أن ينتهي مالك عنده من اللحم، ويصح ذلك، فأنت دفعت الدراهم نقداً وهو انتفع بها، وأنت حصلت على رخص السعر، فبدل أن الناس يشترون بعشرة اشتريت أنت بستة أو بسبعة أو نحو ذلك.
ويصح أيضاً في المواشي، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً -والبكر: هو ولد الناقة- فاشتراه في ذمته، فقال: بعتك بكراً بكذا فأعطاه الثمن، فلما حل الأجل جاءه ليطلبه، فلم يجد إلا خياراً رباعياً، وقال:(إن خيركم أحسنكم قضاءً) ، فيجوز أن تدفع لصاحب الغنم -مثلاً- ألفاً على أن يعطيك خمساً من الغنم في وقت الأضحية، تكون كل واحدة بمائتين، مع أنها في ذلك اليوم قد تساوي أربعمائة أو خمسمائة، ولكنه بحاجة إلى ثمنها، لكن لا بد من وصفها؛ أي: وصف السن واللون وما أشبه ذلك.
وكذلك يصح حتى في الأشياء الجديدة، والتجار يتفقون الآن مع المصانع على أن يقدموا لهم الثمن، أعني: أصحاب المصانع الخارجية الذين يصنعون الأدوات كالقدور والصحون والأواني والسكاكين والملاعق، بل وحتى المكائن والسيارات، الأشياء الكبيرة والصغيرة، فالآن يقدمون ثمنها قبل خمسة أشهر أو قبل عشرة أشهر، ويتفقون على السعر، وإن كانوا أيضاً قد يفرقون الثمن بأن يدفعوا الدفعة الأولى في وقت التعاقد، والدفعة الثانية في وقت التحميل، والدفعة الثالثة في وقت الوصول، أو ما أشبه ذلك، وهذا أيضاً يسمى سلماً؛ وذلك لأنهم لو لم يحصل لهم هذا الثمن مقدماً لباعوه غالياً، ولما حصل لهم بعضه مقدماً باعوه رخيصاً؛ فيربحون هم بتحصيل الثمن، ويربح المشتري بوجودها رخيصة، فهذا معنى أن السلم من الارتفاقات التي أباحها الإسلام، والتي فيها مصلحة للبائع ومصلحة للمشتري، فالبائع ينتفع بالثمن في وقت حاجته وضرورته، والمشتري تحصل له السلعة رخيصة فيربح فيها أكثر مما يربح غيره.