للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكل الجراد)]

قوله: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد) ، الجراد معروف، وهو هذه الحشرات الصغيرة التي تطير، وتوجد بكثرة في بعض الأوقات، وهي شبيهة ببعض الأشياء المحرمة كالزنابير والدبر وغيره، ولكن لها خاصية في أنها تأكل الأعشاب ونحوها وتتغذى بالنبات وما أشبهه، فلا إثم في أكلها، وأيضاً فهي مما يسلطها الله على بعض الناس، فتكثر فتأكل الثمار وتتسلط على الزروع وعلى البساتين، وإذا سلطها الله تعالى على قوم تكون من جملة العذاب الذي يرسله الله، وقد ذكر الله تعالى أنها من جملة ما أرسل على آل فرعون، فقال الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ} [الأعراف:١٣٣] يعني: سلط الله عليهم هذه الأشياء، فسلط عليهم الجراد فأكل ثمارهم، وأكل أشجارهم، عذاب من الله لا يقدرون على رده؛ وذلك لكثرته وعدم استطاعة مقاومته إذا سلط، وما يؤخذ منه أو يصاد لا ينقصه، فالناس يصطادون منه شيئاً كثيراً، ثم بعد ذلك إذا أصبحوا وذهب إلى البلاد الأخرى وجدوه كأنه لم ينقص، فيصيدون منه، ثم في الصباح يطير ويذهب إلى قرية أخرى، فيجدونه كأنه لم ينقص، وهكذا ليس له نهاية إلا إذا سلط الله عليه ما شاء.

إذاً: هذا الجراد من جملة ما يسلطه الله على عباده، ولما كان من جملة الطيبات، وأكله من الأشجار ونحوها؛ أبيح أكله، وجعل من الدواب التي لا تحتاج إلى تذكية، ففي الحديث: (أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال) ، فتباح ميتته، وإذا وجد ميتاً أبيح طبخه أو شيه، وكذلك إن صيد وهو حي فإنه لا يحتاج إلى ذبح، بل يشوى أو يطبخ وهو حي، ويحل أكله بعد ذلك، وما ذاك إلا لأنه ليس فيه دم إذا ذبح، وما يسيل منه لا يسمى دماً، وإنما يسيل منه شيء وهو حي شبه لعابه، فلا يسمى دماً، والميتة حرمت لأنها إذا ماتت تحجر الدم في عروقها وأفسد لحمها، بخلاف الجراد فإنه ليس فيه دم، فلذلك يباح أكله بعد ما يطبخ ولو لم يذبح.

المصنف ذكر هذا الحديث لأن فيه خلافاً، وكثير من أهل البلاد الإسلامية ينكرون أكله؛ وذلك لأنهم لم يتعودوه، ولم يألفوه، لأنه غريب في بلادهم، أو أنه يأتيهم أحياناً، ولم يتعودوا اصطياده وطبخه، فلذلك يكون من جملة المكروه نفسياً، ولكن لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكله، ولما ثبت أنه أباحه وإن لم يذك، وثبت أن الصحابة أكلوه؛ دل ذلك على أنه من جملة المباحات ومن جملة الطيبات، فهو غذاء يغني عن الطعام ويغني عن اللحوم، وقد يتلذذ بأكله، ويتفكه به، فلا كراهة فيه، ولكن لا يلزم كل أحد أن يأكله، إنما يأكله من اشتهاه، ولكن لا يعيبه أحد ولا يحرمه.