[الآيات التي نزلت في تحريم الخمر]
نزل في تحريم الخمر أولاً: قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:٢١٩] ، ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية هي التي حرمت الخمر، وذلك لأن الله وصفها بالإثم، ومعلوم أن الإثم محرم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف:٣٣] ، أخبر بأن الإثم محرم كما أن الفواحش محرمة، الفواحش منها الزنا ومنها اللواط ومنها فعل القبائح، فكذلك الإثم محرم، ولا شك أن الخمر والميسر فيهما إثم كبير.
إذاً: هذه الآية دالة على أن الخمر محرم لما فيها من إثم كبير.
ثم نزل فيها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣] ، ولما نزلت هذه الآية تركها كثير من الصحابة وقالوا: لا خير في شيء يحرمنا من الصلاة، وبعضهم كان يشربها في الأوقات الطويلة كبعد الفجر وبعد العشاء، بحيث يفيق قبل أن يأتي وقت الصلاة، وهذا دليل على أنهم عرفوا شناعتها وبشاعتها، ولما نزلت الآيات في سورة البقرة في الربا حرم النبي صلى الله عليه وسلم التجارة في الخمر، فكان ذلك مقدمة لتحريم الخمر تحريماً باتاً.
ثم نزل في سورة المائدة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:٩٠] ، ذكر بعض العلماء أنها دلت على تحريم الخمر من عشرة أوجه: الأول: أن الله قرنها بالأصنام والأزلام وهي محرمة.
الثاني: أنه وصفها بأنها (رجس) ، والرجس هو النجس، وكل شيء نجس فإنه محرم.
الثالث: أنه أضافها إلى الشيطان (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ، وكل شيء من عمل الشيطان فلا شك أنه محرم؛ لأن الشيطان لا يأتي إلا بما يفسد الإنسان، وبما يبعده عن ربه.
الرابع: أن الله أمر بالاجتناب لها (فَاجْتَنِبُوهُ) ، والاجتناب هو الابتعاد، يعني: ابتعدوا عنها بعداً شديداً، وهو أبلغ من قوله: (اتركوها) فإن الاجتناب أن تكون في جانب وهي في جانب بعيد.
الخامس: تعليق الفلاح على تركها (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) دل على أن من لم يتركها فهو بعيد من الفلاح.
ثم ذكر السادس بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:٩١] ، فالشيء الذي يوقع العداوة بين المسلمين ويوقع البغضاء لا شك أنه حرام.
العداوة هي كون بعضهم يعادي بعضاً ويقاطعه، والبغضاء وقوع البغض، ولعل سبب ذلك أنه إذا سكر فإنه قد يهلك المال، وقد يضرب من عنده، كما فعل حمزة قبل تحريم الخمر، لما اعتدى على شارفين لـ علي فنحرهما، وجب أسنمتهما وهما حيان، فكان في ذلك إفساد لهذا المال.
فالخمر توقع العداوة بين الأخوين بهذه الأسباب التي يفعلها وهو سكران ثمل، وكذلك يوقع البغضاء، فهاتان مفسدتان هما الخصلة السادسة والسابعة.
ثم ذكر الثامنة والتاسعة في قوله: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ} [المائدة:٩١] فهاتان خصلتان تدلان على أن الشيطان حريص على كل ما يصد عن ذكر الله عموماً، وعن الصلاة خصوصاً، وذلك لأن مجالس أهلها غالباً مجالس لهو، ومجالس فساد، ليس فيها علم ولا ذكر ولا دعاء ولا فائدة، وإنما هي قيل وقال، أو سباب وهجاء وفساد، وقمار ولعب، ونحو ذلك، ينشغلون بها عن ذكر الله تعالى.
كذلك انشغالهم عن الصلاة، لا شك أن انشغالهم عن الصلاة أعظم من انشغالهم عن غيرها؛ وذلك لأنهم إذا سكروا متى يأتون إلى الصلاة؟ إذا شربها في الظهر ضيع الصلاة الوسطى وهي العصر، وإذا شربها بعد المغرب ضيع صلاة العشاء، وإذا أتاها لم يأتها بقلب حاضر، بل يأتها وهو موسوس ثمل لا يدري ما يقول.
إذاً: لا شك أن هذا من الشيطان حيث أوقعهم فيها حتى صدهم عن الصلاة.
وختم الآية بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:٩١] ، وهذه هي الخصلة العاشرة، يقول بعض السلف: لما نزلت هذه الآية قال الصحابة: انتهينا انتهينا.