هذه المرأة المخزومية في أكثر الروايات أنها سرقت، وفي بعض الروايات أنها كانت تستعير المتاع فتجحده، وأنها جاءت إلى قوم وقالت: إن آل فلان أرسلوني لأستعير منكم حلياً ليتجملوا به في عرس لهم، ثم لما أعطوها ذلك الحلي ذهبت به وباعته، فسألوها وقالوا: نحن أعرناك، فقالت: ما أعرتموني، وجحدت ذلك، ثم وجد الحلي عند أولئك الذين اشتروه، فقالوا: نعم اشتريناه من فلانة أي: هذه المخزومية، وكان اسمها فاطمة، فاعترفت بعد ذلك أنها أخذته من أولئك وباعته، وأنه ليس لها، فلما ثبت عليها هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
فقيل: إنها ما قطعت إلا بسرقة سرقتها غير هذا المتاع أو غير هذه الحلي، وقيل: إنه سمُي الجحد للعارية سرقة؛ وذلك لأنه أخذ لمال بغير حق.
وقد اختلف العلماء في قطع جاحد العارية، فذهب الإمام أحمد إلى أنه تقطع يد من جحد العارية إذا كانت تلك العارية نصاباً أو أكثر من النصاب لهذا الحديث؛ وذلك لأنه لا يمكن التحرز منه؛ فإن جحد العارية يحمل الناس على قطع الإحسان، وعلى قطع المعروف، فإن الإعارة من فعل الخير، فإذا كان الإنسان إذا أعار إنساناً قدراً أو أعاره مشلحاً يتجمل به أو أعاره متاعاً يتمتع به؛ أدى ذلك إلى أنه يجحده، وإذا جحده سلم من الإثم، وسلم من العقوبة، وسلم من إقامة الحد، حتى ولو وجدت عنده؛ فإذا كان هذا كذلك سيتتابع الناس في جحد هذه العواري، فعند ذلك يقل من يعير، وكل من عنده متاع يقول: لا أعيرك؛ أخشى أن تجحدني كما جحد فلان، وكما جحدني فلان، فينقطع الإحسان، وينقطع المعروف، بخلاف ما إذا أقيم الحد على جاحد العارية وقطعت يده فإن الناس يرتدعون فلا يقدم أحد على جحد العارية.
هكذا ذهب الإمام أحمد إلى أنه يقطع جاحد العارية، وأما الأئمة الباقون فقالوا: لا يقطع جاحد العارية، وقالوا: إن هذه المخزومية ما قطعت إلا لأنها سرقت، ولم تقطع لجحد العارية، وقالوا: هي جمعت بين الأمرين: بين السرقة وبين جحد العارية، وقالوا: من شروط السرقة، أخذ المال خفية، وأخذه من حرز، وهو أن يكسر الأبواب -مثلاً- والصناديق، ويأتي على حين غفلة فيتسلق الحيطان ويأخذ المال المحرز المحفوظ، فهذا هو السارق حقاً، والذي يستعير لا يُسمى سارقاً، بل يُسمى مستعيراً، فإذا جحد يُسمى جاحداً، كجاحد الدين، وكما لا يقطع المنتهب ولا المختلس ولا الغاصب ونحوه فكذلك لا يقطع جاحد العارية.
والمعمول به عندنا أنه يقطع جاحد العارية، وذلك لمشقة التحفظ عنه وعن أمثاله، وبكل حال فإن قطع يد السارق كما ذكرنا حد من حدود الله تعالى يقام حتى يأمن الناس على أموالهم، وحتى لا يعتدي أحد على مال أخيه بغير حق، والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.