الاعتكاف: هو لزوم المسجد لطاعة الله، لزوم المسجد والبقاء فيه مدة لا تقل عن يوم للتفرغ للعبادة والانقطاع عن الدنيا وعن أشغالها وعن أهلها، وهو سنة ومشروع، وفيه فضل، ولكنه لا يجب إلا بالنذر، فإذا نذره وجب عليه الوفاء، ففي حديث عمر الذي مر بنا ذكر أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة، وفي رواية:(أن يعتكف يوماً في المسجد الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) .
أمره بأن يفي بنذره، كأنه قال: علي لله أن أعتكف يوماً أو أعتكف ليلة في هذا المسجد ولم يتمكن من الاعتكاف فيه لما أسلم وأخرجه الكفار، فأمره أن يوفي بنذره بعدما فتحت مكة وأصبح متمكناً، فيجب الاعتكاف بالنذر، فإذا نذرت أن تعتكف وجب عليك الوفاء بالنذر؛ لقوله تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}[الإنسان:٧] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، ولا شك أن الاعتكاف طاعة لله، فمن نذره وجب عليه الوفاء.
وكذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، ذلك لأن العشر الأواخر هي أفضل الشهر، فإن أفضله آخره، وفيها ترجى ليلة القدر، فيعتكفها من ليلة إحدى وعشرين إلى نهاية الشهر، وهكذا كان يعتكف.
وذكروا أنه كان يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح من يوم العشرين أو من يوم واحدٍ وعشرين، ولكن الأقرب أنه يدخل من ليلة إحدى وعشرين لأنها أول العشر الأواخر.
فيعتكف هذه العشر إلى آخرها، ويجوز للمعتكف أن يعتكف بعضها، كأن يعتكف الخمس الأواخر، أو يعتكف -مثلاً- الثلاث الأواخر، أو السبع الأواخر؛ لأنه عبادة يفعل منه ما يستطيعه، فإن استطاع أن يعتكف العشر كلها أو بعضها فكلما زاد فله أجر.
وكذلك -أيضاً- لا شك أن الاعتكاف من الأعمال الصالحة؛ لأنه يتفرغ فيه للعبادة، فلأجل ذلك لو أكثر منه لكان ذلك مثاباً عليه، فلو اعتكف الشهر كله، أو اعتكف شهرين فله الأجر لذلك، ولكن قد ينقطع بذلك عن أشغاله الدنيوية الضرورية، فلأجل ذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم مرة اعتكف العشر الوسطى، ولما كان في آخر ليلة منها -وهي التي يخرج من صبيحتها- أمر من اعتكف معه أن يعتكفوا العشر الأواخر، فاعتكف في ذلك العام عشرين يوماً، فدل على أنه يجوز أن يزيد في الاعتكاف على العشر، وإذا اعتكف عشرين يوماً أو ثلاثين يوماً أو أكثر أو أقل فله أجر على ذلك، وكلما زادت المدة زاد الأجر فيحتسب الإنسان ويتفرغ جزءاً من زمانه حتى يحيي هذه السنة ويعبد الله تعالى بقدر ما يتيسر له.