[النهي عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها في بقعة معينة]
هذا الحديث يتعلق بكراء الأرض، ذكر فيه أنهم كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام يكرون الأرض بزرع بقعة معينة، فيقول صاحب الأرض: ازرع أرضي هذه، ولي زرع هذه البقعة ولك زرع هذه، فإذا نبتت ربما كانت هذه لا تنبت، أو لا يكون فيها إلا قليل، وهذه فيها كثير، فيحصل بذلك ضرر على بعضهم وغبن له، والإسلام ينهى عن كل شيء فيه مضرة على أحد الطرفين؛ فلأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا.
الأحاديث أو الروايات الكثيرة التي في النهي عن المحاقلة محمولة على المحاقلة الجاهلية التي هي كراء الأرض بزرع بقعة معينة.
وكانوا يؤجرون الأرض بما على الماذيانات وأقبال الجداول، وفسر الماذيانات بأنها الأنهار الكبيرة، والجداول بأنها الأنهار الصغيرة، والأقبال بأنها حافات الجدول.
والجدول: هو الساقية التي يجري فيها الماء، فإذا كانت صغيرة سميت جدولاً، وفي هذه الأزمنة قد اكتفى بإجراء الماء في المواسير، وكانوا قديماً يحفرون حفراً كذراعٍ أو نحوه وعرضه كشبر يجري معه الماء من البئر أو إلى منتهى الزرع، ثم يفرق من هنا ومن هنا، فهذا المجرى يسمى جدولاً، وإذا كان المجرى كبيراً يسمى ماذياناً، يعني: نهراً كبيراً يجري معه الماء.
ولا شك أن حافات الجداول تشرب دائماً، فيكون الزرع الذي ينبت عليها له أفضلية، ويكون أكثر سنبلاً وأكثر نباتاً، فإذا أخذ ذلك هذا المالك غبن الزارع، فيقول: أنا الذي زرعته وسقيته وبذرته ثم أخذه مني وما بقي لي إلا الأطراف التي يكون نباتها قليلاً، ويكون سنبلها صغيراً أو ما أشبه ذلك.
فهذا لا شك أنه غرر، وعليه يحمل النهي الذي جاء في هذه الأحاديث.