للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إكراه المرأة على الزواج من شخص لا تريده]

قال المصنف رحمه الله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن.

قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) .

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب.

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.

قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر! ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!) ] .

الحديث الأول فيه مشروعية الاستئذان، ذكر العلماء أن من شروط النكاح تعيين الزوجين، ومن شروط النكاح رضا الزوجين، فالتعيين هو أن تسمى الزوجة بما لا تشتبه به، كقوله: زوجتك ابنتي فلانة ونحوه.

وتعيين الزوج أن لا أن يشار إليه بل يسمى فيقال: زوجتك يا فلان.

أو: زوجتك أيها الجالس.

وأما الرضا فهو ضد الإكراه، الرضا بالشيء قبوله وعدم رده، فلا بد من رضا الزوجة، فلا تكره ولا تزوج بمن لا تريده، ولا بد من رضا الزوج، فلا يكره على من لا يريدها.

والله تعالى ذكر الرضا في أمور عادية، ففي البيع يقول تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩] ، بمعنى أنه لابد أن يكون البيع بعد التراضي، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) ، فإذا كان هذا في بذل المال فلا شك أن بذل الزوجية أولى بأن يكون محل الرضا، فلابد من رضا الزوجة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح المرأة الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن.

فقالوا: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) فاشترط رضاها، ولم يذكر هنا اشتراط رضا الزوج؛ لأن الزوج عادة هو الذي يطلب، وهو الذي يتقدم، وهو الذي يتكلم، ولا حاجة حينئذ إلى استرضائه، وإن كان قد يلزمه وليه أحياناً إذا رأى أن في تزويجه مصلحة له.

فعلى هذا لابد من رضا كل من الزوجين، واشترط رضا الزوجة، وذلك لأنها هي التي تحبس نفسها على هذا الزوج مدة طويلة قد تكون عشرات السنين، فإذا كانت مكرهة مغصوبة لم تطمئن في معيشتها، ولم تهنأ في حياتها، ولم يستقر لها قرار، بل عيشها نكد ونومها كمد وقرارها ضرر؛ حيث إنها ترى ما تكره، لأجل ذلك لم يكن بد من رضا الزوجة، وقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح امرأة أكرهها أبوها وكانت بكراً) ، وثبت أيضاً (أن امرأة جاءت وقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -أي: ليرفعه بي وكنت شريفة وكان هو وضيعاً- فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم) .

فهذا دليل واضح على أن المرأة لا يجوز إكراهها، وإذا أكرهت فإن لها الخيار إن شاءت أن تستقر مع هذا الزوج وإن شاءت أن تنفصل عنه، هذا هو القول الصحيح، وذلك لأن إجبارها ضرر واضح عليها، فمعلوم أنها هي التي تعاشر الزوج، وهي التي تقيم عنده، وهي التي يستمتع بها، وهي التي يستخدمها ويستنفع بها، فإذا كانت تكرهه إذا رأته فكأنها ترى عدواً من أشد الأعداء لها، فلا قرار لها ولا استقرار، فاشترط بذلك رضاها.

ومعلوم أنها إذا لم تكن راضية لم تطمئن مع هذا الزوج.