موضوع تقديم الطعام على الصلاة ذكر العلماء أن الأولين كانوا في وقت قلة من الطعام، وإذا حضر الإفطار والنفس مشتاقة إلى الأكل، وكان في الأكل والأزواد قلة فيما بينهم؛ فإذا أفطروا قدموا عشاءهم، فإذا قدموه وأقيمت الصلاة قام بعضهم ونفسه متعلقة بذلك الطعام حتى لا تفوته الصلاة، فإذا قام لأجل المحافظة على الصلاة رجع وقد أكل الطعام، ولم يبق له ما يسد جوعته، فيبقى مشوش الفكر، أولاً: لأنه صلى وقلبه متعلق بالطعام.
ثانياً: لأنه لما رجع لم يجد ما يسد جوعه، فبقي كأنه متكره لتلك الصلاة التي حالت بينه وبين أن يساهم في الأكل؛ فلأجل ذلك أصبح عذراً في تأخير الصلاة.
ولا شك أن هذا يعتبر عذراً مع شدة الحاجة إلى الطعام، ومع القلة في الأزواد، ومع خوف فناء الأكل، وبقاء الصائم جائعاً بلا أكل، ولذلك روي عن ابن عمر أنه كان يتعشى وهو يسمع الإقامة إذا كان صائماً؛ وذلك لأجل أن يقبل على صلاته بقلب متفرغ ولا يكون قلبه مشتغلاً بالطعام.
ثم معلوم أن طعامهم وعشاءهم لم يكن مثل أطعمة الناس في هذه الأزمنة، إنما يأكلون العلقة من الطعام كما قالت عائشة:(إنما كن النساء يأكلن العلقة من الطعام) ، ويمتثلون قوله عليه الصلاة والسلام:(بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) ، هذا أكلهم، إنما يأكلون ما يسد الرمق ويسد الجوعة، أما أنهم يستغرقون في أنواع الأطعمة فإن في هذا شيئاً من الإسراف، ثم فيه أيضاً كثير من الانشغال، فإذا كانت النفس متعلقة بالطعام فلا يقوم إلى الصلاة إلا بعدما يعطي نفسه ما يسد جوعته، وما يخفف حاجته إلى ذلك الأكل، دون إفراط وإسراف في الأكل، ودون تأخير زائد للصلاة.
وكذلك أيضاً لا ينبغي أن يجعل الناس مواقيت الأكل هي مواقيت الصلاة، بحيث يعتذر أحدهم بأنه جاءه وقت الصلاة وهو يأكل وقد حضر الأكل؛ لأن للأكل مواقيت معروفة، كان الأكل فيما مضى أول النهار بعد الصبح غداء وأول الليل عشاء، بعد المغرب، هذا هو الوقت المعتاد، أما أنهم يتحرون وقت الفجر أو وقت المغرب أو وقت العصر للأكل ويعتذرون بأنهم أخروا الصلاة اشتغالاً بالأكل، ويجعلون ذلك عادة متبعة؛ فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز، أعني: تعمد جعل وقت الطعام هو وقت الصلاة مع إمكان تقديمه أو تأخيره.
وكذلك نعرف أن القصد أن ذلك في حالة قلة الأزواد والحاجة الشديدة إلى الطعام وتعلق النفس به.