فهذا الحديث فيه بيان أن الإنسان عليه أن يحضر قلبه ولبه في صلاته، ولا يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا وأن يتجنب الأشياء التي تشوش عليه وتذكره الدنيا، أو تشغل شيئاً من قلبه.
وجاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى النافلة في بيت عائشة، وكان أمامه قِرام قد سترت به عائشة سهوة لها، يعني: نافذة، فقال:(أميطي عني هذا القِرام فإن تماثيله تعرض لي كلما نظرت إليه ذكرتُ الدنيا) ، أي: أن فيه شيئاً من الخطوط والتماثيل، وليست صور حيوانات ولكنها نقوش أو ما أشبهها، فإذا نظر إليها ذكر الدنيا، فأحب أن لا يخطر على باله وفي قلبه شيء من الأمور الدنيوية وهو في صلاته، فأحب أنه متى دخل في الصلاة استقر قلبه فيها وانشرح لها وأقبل بقلبه كله على عبادته حتى تكون الصلاة كلها له لا نقص فيها.
فيؤخذ من هذا أن على الإنسان أن يتجنب الأشياء التي تشوش عليه في صلاته، فإذا كان أمامه شيء مما يشوش عليه فإنه يزيله؛ ولأجل ذلك حرص العلماء على أن لا يكون في جدران المساجد التي أمام المصلين خطوط أو كتابات تشغل المصلين إذا نظروا إليها، بل كره بعضهم الأنوار التي تكون في قبلة المصلي، وكل ذلك لأجل تحصيل حضور القلب للصلاة ليستفيد منها، لأنه ورد في الحديث أنه (ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل) يعني: ما أقبل بقلبه عليها وعقلها.
أما الذي يحدث نفسه في صلاته ويجول قلبه فيها، فلا يدري ما قرأ الإمام ولا يدري ما سبح ولا ما كبر ولا عدد ما دعا به، ولا يقبل بقلبه على الدعاء، فمثل هذا لا يستفيد من صلاته ولا تؤثر فيه ولا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا تزيده إيماناً إلا أن يشاء الله.
فعلى المسلم أن يحرص على الأشياء التي يحضر بها قلبه في صلاته ويبعد ما يشوش عليه في صلاته.